نافذة الجمعة

جبّار أبو الشربت

أبونواس ، شاعر وشارع مشهوران . أما الشاعر فهو شاعر العراق في عصره ، و هو أحد الشعراء المتميزين في العصر العباسي، قام بنظم جميع الأنواع الشعرية، وكان واحداً من شعراء الطبقة الأولى، ولكنه أكثر في نظم الشعر المتعلق بوصف الخمر، فعرف أبو نواس بشاعر الخمر فكان لا ينافسه شاعر آخر في وصفه لها. قال عنه الجاحظ ” إن شعره يصل للقلب دون استئذان ” كما قال الإمام الشافعي رحمه الله ” لولا مجون أبي نواس لأخذت العلم منه ” ومن أشهر ما نظمه في الخمر قوله :

أثْـنِ على الـخَمْـرِ بآلائِهـا               وَسَمِّهـا أحـسَـنَ أسْمـائِهَا

لا تـجْعَـلِ الماءَ لَها قاهـراً              وَلا تُسَلّطْهـا على مَـائِهَا

 وأما الشارع فهو شارع أبونواس في بغداد الذي كان في يوم من الأيام مفعماً بالنشاط والحركة التي لاتهدأ خاصة حينما يخيم الظلام ويرخي الليل سدوله حيث تصطف على جانبي الشارع حانات وبارات ومقاهي ومطاعم تضج بمرتاديها من شدة الازدحام . وكان مقصداً بالذات للخمّارين الذين يجدون في طول وعرض هذا الشارع مالذّ وطاب لهم من أنواع الخمر . وفي إحدى زوايا شارع أبي نواس يوجد دكان صغير ارتفعت فوقه لوحة مكتوب عليها ( شربت الرمان لصاحبه جبار ) . لكن ما قصة هذا الـ ( الجبّار ) ؟

” جبار ” شاب عاش في منطقة الحّلة ، وكان مساعداً لأبيه الحاج ” عبّود ” في بيع المرطبات المثلجة . في عام  1952أنشأت في منطقتهم شركة حملت اسم “الوطنية لبيع المرطبات المثلجة ” وكان لدى ” جبار بن عبود ”  عربة خاصة بحفظ المرطبات يجوب بها أزقة الحلّة وأسواقها وينادي ( وطن .. وطن .. برّد قلبك بالوطن )  وذلك نسبة إلى مسمى الشركة . وكان الأولاد يهرعون إلى آبائهم وأُمهاتهم : ” لقد جاء أبوالوطن ..أريد وطن ” وتبعاً لذلك أصبح  ” جبّار ” يُكنى ” جبّار أبو الوطن” .

غير أن دوام الحال من المحال ، فقد جرت مابين عامي 1952 و1960 في النهر مياهاً كثيرة ، صارت أحداث وانتفاضة وعدوان وثورات ماتت معها مثلجات الوطنية ودبّ البوار في عربة ” جبّار ” الذي لم ييأس ويُحبط فأخذ يبحث له عن مصدر رزق آخر حيث تفتّق ذهنه لامتهان مهنة عصر الرمان وبيعه بعد التعامل مع عصيره وتحويله إلى شربت الرمان . وفتش عن مكان ومنطقة أوفر حظاً من ” الحلة ” فوضع رحاله ببغداد ، وبالضبط في شارع أبي نواس في بغداد ، جنباً إلى جنب مع حانات وبارات الخمّارين الذين صار من أسباب كمال سهرتهم أن يختموها بشربت الرمان من صاحبه ” جبار ” .

 وبالرغم من تواضع بضاعته ورُخص مشروبه إلاّ أن هذا الدكّان الصغير أصبح مع مرور الأيام أشهر من نار على علم ، ولا يوجد – ربما – عراقي إلاّ ويعرف أو سمع عن ” جبّار أبو الشربت ” بعد أن تبدلت تسميته القديمة ” جبار أبو الوطن ” ونجح في محلّه الصغير وتضاعفت أرباحه وتيسّر رزقه ويمكنه أن يُعطي الآخرين درساً بليغاً في المهن الشريفة وإمكانية نجاحها وصمودها حتى لو نافست أم الخبائث التي فزِع أصحابها عندنا هذه الأيام وثاروا خوفاً من إقرار منعها وإنفاذ رغبة نوّاب الشعب في قطع الرزق الحرام المتحصّل منها .

أضف تعليق