راصد

بين المطالب والثوابت

اليوم ، وليس غداً ؛ نقول  بأعلى صوتنا ، وبملء الفيه : لا نريد أية مطالب سيكون تحقيقها عبر بوابة الاقتتال الطائفي  ، ومن خلال توريث الكراهية والحقد ونزع صور التلاحم والتماسك ، وبواسطة إسقاط تاريخ طويل من التعايش بين السنّة والشيعة في وطننا الغالي بصورة تهدّد السلم والأمان وتنبيء عن مخاوف جمّة وخطيرة تتعلّق بمستقبل الأجيال والأبناء أعتقد جازماً أنه لا الملكية الدستورية ولا إقالة الحكومة ولا ما شابهها من مطالبات تعجّ بها الخطابات والاعتصامات والمظاهرات هذه الأيام سوف تستطيع إعادتها أو ترقيعها إن استمرّ حالنا على ما عليه هذه الأيام من تصعيد وتحشيد طائفي نخشى أن جهات لا يهمها مصلحة البحرين وأهلها تلعب بها وتمسك بخيوط تأجيجها .

 من سمع وقرأ عماّ حصل بالأسبوع الماضي في مدينة حمد حينما تقاطرت حشود من مناطق عدّة لتتعارك في الدوّار السابع بالأسلحة البيضاء بسبب حادثة -مهما تعددّت الروايات بشأنها – تبقى شاهدة في زمانها ومكانها على مقدار التأجيج الطائفي الذي خلّفته هذه المطالبات التي صرنا الآن نقول : لا نريدها ، ولا خير فيها إن كانت ستأتينا عبر هذه البوابة .

ومن رأى وعاين كيف تجمّع المواطنون في البسيتين ليلة أمس للدفاع عن امرأة تم التعرّض لها في مظاهرة المرفأ المالي ومضايقتها أثناء سيرها وعودتها من عملها ، فما كان منها تحت ضغط الخوف والهلع إلاّ أن ( داست ) على البنزين فاصطدمت بشخص أو اثنين من المتظاهرين ، ليجري استنفار للانتقام منها ومعاقبتها دونما اعتبار لقانون مرور أو أجهزة أمن تستطيع ملاحقتها أو القبض عليها في مثل هذه الحالات بدلاً من محاولة أخذ الحق باليد ونشر صورة سيارتها ورقمها في القنوات الفضائية ، والشروع إلى الذهاب إليها في مقر سكنها فيثور الفزع في منطقتها ويحتشد الأهالي للذود عنها ، في ظل إسقاط القانون وتغييب  العقل والرشد . فلا يكون لنا حينئذ – عند إسقاط القانون وتغييب العقل واستدعاء لغة الغاب – إلاّ أن نصرخ عن هذه المطالبات والاعتصامات : لا نريدها ، ولا خير فيها إن كانت ستأتينا عبر هذه البوابة .

ومن أرخى سمعه لقناتنا الفضائية ليلة أمس الأول ، واستمع حينها إلى تاجر الخضار والفواكه ( يوسف ) وهو يندب حاله ويشكو خسارته وتعطّل تجارته – مثله آلاف من الناس – ويضرب أخماساً في أسداس حول حيرته في تسديد التزاماته ورواتب عمّاله ، ثم يبدي قلقه وخوفه على احتمال أفول أيام جميلة في سابق حياته كان يعيش فيها جنباً إلى جنب مع إخوانه السنّة ، يتشاركون في الأفراح كما الأحزان قبل أن تأتي هذه الاعتصامات والمطالبات التي لانملك في هذه اللحظة الراهنة إلاّ أن نطردها ونقول : لا خير فيها إن كانت ستأتينا عبر هذه البوابة .

ومن لامست طبلة أذنه من الآباء والأمهات أسئلة أطفالهم في الروضات أو في الصفوف الابتدائية الأولى هذه الأيام واستفساراتهم من مثل : هل أنا سنّي أم شيعي ؟ أو ما معنى شيعي وسنّي ؟ لا شكّ أنهم – أولياء الأمور – سيتقزّزون من هذه الاعتصامات والمطالبات التي أفرزت من نتائجها أن يصعد في وعي هؤلاء الصغار مثل هذه الأسئلة قبل أوانها ، وسيتم حفرها في مخيلتهم اليافعة لسنوات وسنوات سنشعر بعدها أننا أورثناهم في قابل أيامهم وسني أعمارهم حقداً وكرهاً ولم نحقق لهم مكاسب تساوي مقدار هذه الخسارة .

ومن بكى وهو يسمع أن طالبة تم الاعتداء عليها من قبل مجموعة طالبات في سنّها بمدرسة العهد الزاهر أو مدرسة يثرب لسبب طائفي ، أو أن طالبة معاقة مصابة بمتلازمة دون قد تخلّت مدرّستها عن تعليمها لسبب طائفي أو طبيب امتنع عن علاج مريضه لذات السبب أو ممرض ( ملاك رحمة ) أحجم عن تقديم رعاية وعناية لمريض لذات السبب أو أب لم يتمكن من دخول مستشفى السلمانية لعلاج ابنه لذات السبب فذهب ليستدين من أجل العلاج في مستشفى خاص .. لا شك أنهم وغيرهم ممن ضاقت الأسماع برواياتهم وغصّت العيون بمشاهدة أحداثهم ووُضعت الأيادي فوق القلوب خوفاً وفزعاً من هذه البوابة الخطيرة التي يُراد لبضع مطالبات سياسية أن تعبر من خلالها ، سيشاركوننا الرأي : لا نريد هذه المطالب ولا خير فيها .

وإزاء ذلك بات من المهم أن يتولى الرموز وأصحاب الرأي والعقل ومراكز القوة والتوجيه ، هؤلاء أنفسهم – وليس غيرهم – مسـألة البحث في جدوى هذه الاعتصامات والمسيرات والمطالبات إن كانت ستأتينا من خلال نحْر وذبح ثوابتنا الوطنية وشقّ لحمتنا ونسيجنا الاجتماعي وتخريب تربية وتعليم أبنائنا وتعطيل علاج مرضانا وإراقة – وهو الأخطر – دماء أبنائنا وإخواننا .

هنالك الآن (قبل فوات الأوان ) حاجة ماسّة لتجاوز أحاديث وتصريحات المجاملة عن الوحدة الوطنية والانتقال إلى مرحلة الفعل والتنفيذ لأن كثرة الكلام عن نبذ الطائفية قد يُفقــد بريقــه وتأثيره ، ويُصبح كلاماً مكــروراً وليس له طعم و( لامزية ) طالما أن ما يحدث على الأرض لا يتماشى ولايرقى إلى نبل ومقاصد هذه الأحاديث والتصريحات وليس في وارد أفعاله أو اهتماماته العملية المحافظة على ثوابتنا ووحدتنا الوطنية وسلمنا وأمننا .

 

رأي واحد على “بين المطالب والثوابت

  1. أسلوب رائع. ..يعكس مانعانيه من مآسي خلال هذه الأزمة..نعم لا نريد مطالب ولا شيء يقدم فوق مصلحة الوطن..
    وطننا غالي ع قلوبنا..وما أعجب إلا من إدعى بالشهادة وهو يناضل من أجل تدمير الوطن والحصول ع مصالحه المادية والمناصب..
    كل هذا محض هراء…جزاك الله خيرا كاتبنا القدير وليوفقك الباري لتكون صوت الحق بإذنه…وشكرا

    إعجاب

أضف تعليق