راصد

مايو .. فرصتكم ياقادة الخليج .. وصولاً إلى وحدتها

قبل حوالي ثلاثين عاماً من الآن ، وبالضبط  في 25 مايو 1981م  تداعى قادة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان في اجتماع تاريخي عُقد بمدينة أبوظبي توصلوا خلاله إلى إعلان صيغة تعاونية ، تكون بمثابة منظمة إقليمية عربية مكونة من ست دول تطلّ على الخليج العربي ، أسموها مجلس التعاون لدول الخليج العربية .

وتهدف  هذه المنظمة الإقليمية  – بحسب ما جاء في نظامها الأساسي – إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسـياحية والتشـريعية، والإدارية، ودفع عجلـة التقـدم العلمـي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية ، وإنشاء مراكـز بحـوث علميـة وإقامـة مشـاريع مشـتركة، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص .

كان منشأ الفكرة ورائدها آنذاك حرب الخليج الأولى التي دارت رحاها على الضفة المقابلة لهذه الدول الست  ، بين إيران والعراق ، واستمرت حتى نهاية عقد الثمانينيات في القرن العشرين ، وما ترتب عليها من أخطار وتهديدات دفعت هذه الدول إلى إيجاد كيان رسمي يجمعهم ويرفع إلى السطح ما يربط هذه الدول ، قيادات وشعوب ،  من علاقات تاريخية ومصيرية مشتركة .

وكان أصحاب الفكرة على وجه التحديد هما : المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، أي أن أحدهما يقود ( الكويت ) وهي أقرب نقطة التقاء خليجية مع إيران في شمال الخليج والآخر يقود ( الإمارات ) وهي أقرب نقطة التقاء خليجية مع إيران في جنوبه .

وعلى مدار الثلاثين عاماً الماضية تم رفد هذه المسيرة الخليجية المباركة بالعديد من المبادرات والمشروعات والاتفاقيات تصبّ كلّها في صالح تنفيذ ما جاء في السطر الأول من نظامها الأساسي ، وهو ” تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها ” .

لايستطيع أي منصف أن ينكر أن إنجازات ضخمة تم بسطها خلال هذه العقود الثلاثة في هذه الدول الست في إطار ما حققته هذه المسيرة الخليجية ، سواء في مجالاتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية أو ماشابهها من مجالات هي بالتأكيد محل تقدير وإشادة لكنها بالرغم من نجاحاتها إلاّ أنها تبقى دون طموح شعوب الخليج ولاتتناسب مع أمنياته وآماله .

مرّت أيضاً بمسيرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الكثير  من المنعطفات الخطيرة ، وحطّت في أجوائها وأضيافها وبحارها حروب ونزاعات وأزمات كبيرة ، وتعقّدت بين دولها مشكلات وخلافات ، لكنها تجاوزتها كلها بحكمة قيادتها ودعم شعوبها ووقوفهم خلف أنظمتهم حتى صار يُحسب لمجلس التعاون أنه الكيان العربي أو الإسلامي الوحيد الذي صمد كل هذه المدّة ، ثلاثون سنة ، من دون أن تفتّ في عضده كل مسببات الضعف والانهيار التي عصفت بغيره من الكيانات والاتحادات في التاريخ الحديث .

غير أنه بعد مضي هذه الثلاثين سنة على إنشائه يحقّ لنا أن نتساءل عن عبارة ” وصولاً لوحدتها ” الموجودة في صدر النظام الأساسي  لمجلس التعاون لدول الخليج العربية .. وهل فترة بمقدار (30) سنة لم تكن كافية إلى حدّ الآن لتحقيق هذه الوحدة المشار إليها في بيان تأسيسه في 25 مايو 1981م ؟

كل المعطيات والظروف الراهنة والأخطار المحدقة ، ليس بالبحرين أو الكويت أو سلطنة عمان فحسب ، وإنما بجميع دوله الست تدفع بتلك العبارة ” وصولاً لوحدتها ” لتكون في مقدمة الاهتمامات وعلى رأس بنود جداول أعمال أية لقاءات ومباحثات قادمة ، تتصاغر أمامها كل التضحيات والمصالح ، مهما تعاظمت . وتتراجع أمام تحقيق ( تلك العبارة ) أية ترددات أو مثبطات أو تأخيرات لايحتملها الزمان ولا المكان .

ولعلّه من حسن الطالع أن قادة دول المجلس سيلتئم عقدهم في شهر مايو القادم بالعاصمة السعودية ، الرياض . وهو ذات الشهر الذي اجتمع عقدهم فيه قبل ثلاثين عاماً ليقرروا الصيغة التعاونية التي جمعتهم منذ ذلك الحين ولا يمكن القبول باستمرارها الآن على حالها دون أن يقفزوا بها قفزة نوعية تتواكب مع حجم الخطر الذي يواجهونه جميعاً ، وهو بالتأكيد ليس في البحرين فقط . وعلى قادتنا في الخليج الذين سيلتقون في شهر مايو القادم بالرياض ألاّ يتركوا البحرين تُؤتى من قِبَلِهم مثلما لا يسمحوا أن يُؤتوْن من قِبَل البحرين.

إن الصيغة التعاونية التي أقرّوها قبل ثلاثين عاماً لا تكفي الآن ، ولاتناسب المرحلة الراهنة ، ولابد من الانتقال والتعويل على عبارة ” وصولاً إلى وحدتها ” الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون . ولعلّ من المفيد أن يرخي قادة التعاون الخليجي أسماعهم إلى شعوبهم وأن يبدأوا – على الأقل – باقتراح كبير المحللين السياسيين الخليجيين ، الدكتور الكويتي أبو المهنّد ، عبدالله النفيسي بأن تتحول دول مجلس التعاون إلى صيغة اتحاد كونفدرالي فيما بينها . تحمي بواسطته شعوبها وثرواتها ومقدّراتها ومكتسباتها ، وتُلجم أية أطماع شرقية أو غربية في دوله ، ولا يوجد كيان تتماسك شعوبه وتتداخل وتشترك بصلات قربى ونسب مثل شعوب دول الخليج التي تحتاج في شهر مايو القادم من قادتها ألا يكون اجتماعها عادياً ، ولا تريد أن تتشنّف أسماعها بأغنية ” خليجنا واحد ، وشعبنا واحد ، ومصيرنا واحد ، يعيش يعيش ، الله أكبر ياخليجنا ” من غير أن يقولوا لهم في نهاية لقاءهم التشاوري : فعلاً .. خليجنا الآن سيكون واحد .

إن الوقفة المشرّفة لقادة الخليج وشعوبها مع البحرين هي أكبر دافع لنجاح هذا الإعلان ، إن تم بمشيئة الله في شهر مايو القادم ، في أحضان وربوع مدينة الرياض ، وحتماً لو طلب القادة من الشعوب الخليجية المبايعة والمباركة لهذا الاتحاد الكونفدرالي الخليجي فإنهم سيجدون الملايين الذين سيردّدون ماقاله النائب الكويتي الفاضل جمعان الحربش لو نمشي على أقدامنا إلى البحرين فلن ندعها تقع في مستنقع إيران “

سانحة :

يوجد في العالم شكلين من الاتحادات، إما اتحاد “فيدرالي” ويعني اندماج مجموعة من الدول لتكوين دولة واحدة بحكومة واحدة، وتتمتع الأقاليم أو الولايات بحكومات منفصلة من الحكومة المركزية لها بعض الصلاحيات المحلية. وأبرز أمثلة على هذا النوع هو الولايات المتحدة الأمريكية -عالمياً- والإمارات المتحدة العربية -عربياً-.

أما الشكل الثاني فهو اتحاد “كونفيدرالي” وهو تجمع مجموعة دول مستقلة لتكوين هيئة مشتركة تفوّض إليها بعض الصلاحيات وتقوم بتنسيق السياسات بين هذه الدول، دون أن يكون هذا التجمع اندماجاً لهذه الدول.

رأيان على “مايو .. فرصتكم ياقادة الخليج .. وصولاً إلى وحدتها

  1. أولا، اسمح لي بأن أكمل العبارة الأخيرة في مقالك يا أستاذ جمال “؛ وأبرز أمثلة على هذا النوع هو اتحاد دول “شنجن” بين معظم دول القارة الأوروبية.
    ثانيا، إن من الفوائد العديدة التي ستعود بالنفع على حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي لو تحقق الاتحاد الكونفدرالي بينها – من وجهة نظر مواطن بحريني – توفير تكاليف تسيير الدوريات البحرية لمراقبة الحدود الإقليمية بين مملكة البحرين ودولة قطر والمملكة العربية السعودية؛ حيث لن يكون ثمة حدود ولن يمنع الصيادون البحرينيون (مثلا) من الدخول إلى المياه القطرية أو السعودية، والعكس صحيح

    إعجاب

  2. الاستاذ / جمال سويد
    بيض الله وجهك واشكرك على مقالك الرائع وعلى احساسك بوطنيتك الخليجية والتي لنا الشرف والعزة بالفخر بها في جميع الميادين
    حفظ الله مملكة البحرين حكومة وشعباً
    خالص تحياتي
    اخوك
    فيصل – الــريـاض

    إعجاب

اترك رداً على السيد إسماعيل بن كامل القرشي إلغاء الرد