راصد

مسكين ياصابر!!

صابر ، الذي سأتكلّم عنه اليوم ليس ذاك المواطن الصابر الذي فُجع يوم أمس بأن أية زيادة في راتبه لن تتحقق ، وأن أحلامه وأمانيه حول نسبة تلك الزيادة  (10% أو 25% ) قد تبخّرت ، وأن لهفة انتظار إقرارها وبدء سريانها بعد طول ترقّب و( أخذ وردّ ) قد تبدّدت وتحطّمت .

لا أعني بالسيد صابر ذاك الشخص الذي سال لعابه على مدار حوالي شهرين أو أكثر ، وهو يقرأ ويتابع عن أمر زيادة راتبه والسعي لتحسين سويّة معيشته ، منهم من يقول له هي (50) ديناراً ومنهم من رفعها إلى (75) ديناراً ومنهم من حدّد لها نسبة (10%) ومنهم من زادها إلى (25%) ومنهم من تفاءل كثيراً وبالغ ليوصلها إلى (50%) ، وغالبهم كان ينظر إلى مسألة زيادة الرواتب  بأنها أمر سيجري تنفيذه لا محالة وأنه حقيقة وليس طيفاً من خيال وأنه رقم واقعي سيُضاف إلى رواتبهم وليس حلماً يرونه في نومهم ، وكانوا يردّدون حكومتنا ( كريمة ) ونحن ( نستاهل ) . ولم يدُرْ في بالهم وخلْدهم بأن يظهر لهم من يقول لهم : أبقوا على رواتبكم ، لا زيادة ولاهم يحزنون .

ليس صابر الذي أقصده هنا هو ذاك المواطن الذي كان ينتظر بفارغ الصبر أن يفرح هو وأهله وأبناؤه بشيء ملموس ومحسوس يزيل عنهم أحزان الأحداث الأخيرة التي مرّ بها وطننا العزيز ويخفف عنهم أشجانها ومرارتها ويعينه على بدء مرحلة جديدة في حياته يستطيع معها مجاراة الضنك والضيق المعيشي وتفاقم حدّة الأعباء المترتبة على غلاء المعيشة وارتفاع تكاليفها قبل أن يكتشف أن تلك الزيادة في راتبه التي طال الحديث عنها إنما كانت فقط دغدغة لعواطفه وتهييج لمشاعره ، وأنها أصبحت الآن كالسراب الذي كلّما اقترب منه لم يجده شيئاً .

لن أتكلّم عن ذاك الصابر ، فذلك مصيبته أكبر من الاحتمال ، وسوف تستحوذ صدمته على صفحات الجرائد والديوانيات والمجالس في قابل الأيام إنما السيد صابر الذي ألفت الانتباه إليه هنا ، وأشير إلى مصيبته هو الطبقة الوسطى أو ما اصطلحنا على تسميتهم بالطبقة المنسية أو ما تعارفنا على تمثيله بالأخ الأوسط لأم لديها ثلاثة أبناء ، حيث يقول عن نفسه : أنا دائماً مظلوم ! فأمي حين تأمرنا فإنها تقول : ” الأخوين الأكبرين خمّو الحوش ” أو تقول ” الأخوين الأصغرين رتبوا الصالة ”  وهذا يجعلني أعمل دائما لخدمتها في الحالتين ( خمّ الحوش وترتيب الصالة ) بينما الأخوين الأصغر والأكبر يحصل كل منهما على فترة راحة ولا يشتغلون إلا ّ في حالة واحدة !!

فبالرغم من كل التصريحات والتأكيدات بأن الطبقة الوسطى لن تُمسّ وسوف يجري العودة لرعايتها والمحافظة على وجودها وعدم الرضا بتآكلها ، وسيُعاد لها الاعتبار بعدما عانت خلال السنوات القليلة الماضية من كثرة استثنائها وبخسها حقّها في السياسات والقرارات التي تعالج تحسين المستوى الاجتماعي وتخفيف الأعباء المعيشية والمعاناة لدى المواطنين فيُصار آنذاك إلى استفادة الطبقة الفقيرة أو طبقة محدودي الدخل ( وهم يستاهلون ) على وجه الحصر والقصر من الزيادات والامتيازات والتسهيلات والإعانات والعلاوات التي تهدف إلى تنمية مداخيل المواطنين وتعديل سويّة معيشتهم ودعم صمودهم تجاه ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية ومواجهة ( غول ) الغلاء الفاحش الذي يتعسّر في ظل الظروف الراهنة التصديق بأن الطبقة الوسطى نجت أو تجاوزت أو لا تتأثر بكل ذلك فتبقى محرومة من هذا الاهتمام ومنغصّة عيشتهم .

هذه الطبقة ، الوسطى ؛ على موعد جديد في الميزانية الجديدة لعامي 2011- 2012 م مع استثناء جديد يُضاف إلى سجلات الحرمان والاستثناءات السابقة حيث ستُوزع علاوة الغلاء في نسختها الجديدة لمن تقلّ رواتبهم عن ألف دينار ، بالضبط كما الحرمان السابق في السنوات الماضية من هذه العلاوة ، بالضبط كما الحرمان من الخدمات الإسكانية .

وكأنما الأمر يتعلّق بعقوبات غير معلنة للطبقة الوسطى  جزاء لحرصها وجهدها ومؤهلاتها و( تعبها) على نفسها وتعليمها وإنجازها لتُرمى هذه الطبقة ( المسكينة) أو تُعزل عن واقع معيشي قاسٍ جداًّ يصعب التصديق أنهم في منأى عن آثاره وتداعياته حتى يجري على الدوام استثنائهم وحرمانهم باعتبارهم الأخ الأوسط بين ثلاثة أبناء .

مسكين يا صابر المصدوم بعدم وجود زيادات في راتبه ، ومسكين يا صابر الموعود مجدّدا باستثناء آخر مما يدعم معيشته ويقوّي صموده أمام تفاقم أعبائها وتكاليفها !!

أضف تعليق