نافذة الجمعة

هل تفعلها القمة التشاورية الخليجية ؟

إذا صحّ لنا أن نتحدّث عن التغيرات التاريخية التي يجب رصدها وتسجيلها في تاريخ الشعوب والأمم فإنه ينبغي توثيق شهري مارس وإبريل الماضيين أو هذه الفترة كلها من العام 2011م كعلامة تحوّل فارقة في تاريخ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث انتبهت أو صَحَت على وجود خطر حقيقي ( وليس وهمي ) يتهدّد وحدتها وكيانها ومصيرها فانتفضت أنظمة وقادة هذه الدول وقرّرت ضرورة حمايـة مقدّراتها وحدودها ودولها بالاعتماد على سياسـاتها الذاتية وعـدم انتظار ( الإذن ) أو الترخيص لها أو التنسيق من جانب حلفاء معروفين بغدرهم وعدم اهتمامهم إلاّ بمصالحهم .

لقد فاجأت دول مجلس التعاون العالم بأجمعه بأنها أنقذت البحرين بدخول قوات درع الجزيرة إليها بنجاح قبل ساعات من بدء الهجوم المخطط له من قبل القوات الإيرانية ووفرت لها الحماية الأمنية – بحسب معاهدات واتفاقيات المجلس المشتركة – وأفشلت مخططاً إيرانياً لتمزيق دول مجلس التعاون ابتداء بضرب خاصرته في البحرين .

دول مجلس التعاون ارتقت وقفزت خلال هذه الفترة من طور الاتفاقيات والمعاهدات واللقاءات والتمنيات ( الدبلوماسية ) إلى مرحلة الفعل الحقيقي وطور المبادرة والتأثير في مجريات الأحداث ، بل والتغيير فيها اعتماداً على ما تملكه من سياسات وقدرات تمكّنها من الاستغناء عن غيرها ، وبالذات حلفاؤها الذين انكشفت عوراتهم وظهر زيف صداقتهم .

ليست البحرين وحدها هي التي شكّلت العلامة التاريخية الفارقة في مسيرة مجلس التعاون ، بل إن المبادرة الخليجية في اليمن التي نأمل نجاحها ؛ هي إضافة أخرى للسياسة والنهج الجديد لدول مجلس التعاون في احتواء أزماتها وعدم ترك جروحها تنزف أو تتركها عرضة وفريسة للذئاب المفترسة ، تنهش من خيراتها وتخرّب في مكتسباتها وتعيث في أراضيها احتلالاً أو تقسيماً .

ولعلها مناسبة أيضاً أن تعيد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية النظر في مسألة انضمام اليمن إلى عقد دولها وإعطائها كامل العضوية ، فتنتشل هذا الجزء الحبيب مما يُدبّر له في الظلام من انقسام وتشظي ، وليست يد إيران – أيضاً – ببعيدة عنه ، فضلاً عمّا قد يضيفه انضمام اليمن إلى مجلس التعاون من دفع سياسي واقتصادي لدوله هي – بلاشك – في حاجة إليه . فاليمن الذي يقع في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية ويُعتبر أحد أهم بواباتها ويتحكّم في ممر مائي دولي في غاية الدقة والحساسية يُشكّل بسكّانه البالغين أكثر من عشرين مليون نسمة رافداً رقراقاً من روافد العروبة والإسـلام تحتاج إليه منظومة دول مجلس التعـاون لدول الخليج العربيـة لمجابهـة أيــة أخطار تسـتهدف النيل من عروبتها أو المسـاس بأراضيها وزعزعة أمنها واستقرارها .

تدخّل دول المجلس في البحرين واليمن على هذا النحو وضع قطار مسيرة مجلس التعاون – التي ستحتفل في هذا الشهر بمضي العقد الثالث على انطلاقتها – على سكّتها السليمة  والصحيحة ، والأولى لها أن تمضي فيها دون تراجع أو إخلال هنا أوهناك فما عادت الظروف والأخطار المحيطة بهم تحتمل غير سلّك هذه الطريق ، ويجب أن تضع هذه الدول نصب عينها الحديث الشريف المشهور للمصطفى صلى الله عليه وسلّم ” إن قوما ركبوا في سفينة ، فاقتسموا، فصار لكل رجل منهم موضع، فنقر رجل منهم موضعه بفأس فقالوا: ما تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع فيه ما شئت! فإن أخذوا على يده نجا و نجوا، و إن تركوه هلك و هلكوا”.

قد لا توجد على وجه هذه الأرض شعوب متقاربة ومتداخلة ومتصاهرة ومترابطة مع بعضها مثل شعوب دول مجلس التعاون ، فلا أقلّ من أن تستحق هذه الشعوب في هذه المرحلة التاريخية الهامّة من أن تُعلن خلال القمة التشاورية لقادة دول المجلس المزمع عقدها هذا الشهر في الرياض الوحدة الخليجية بأي شكل من الأشكال لتضع حدّاً فاصلاً لمن يتهدّدها ويطمع فيها.

سانحة :

الاتفاقيات والمعاهدات والمشروعات المشتركة الموجودة حالياً بين دول المجلس تسمح على الأقل بتغيير اسمه الحالي (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) ليكون ( اتحاد مجلس التعاون لدول الخليج العربية ) .. إنه اقتراح قابل للتطبيق .

أضف تعليق