راصد

ساعة الفهم

تصوّرت الأنظمة العربية البائدة في عام 2011م أن جلوسها على كراسي الحكم لعقود من السنوات واستحواذها على مقدرات وموارد شعوبها ، ثم بسط سطوتها و( عصيّها) وجلاديها على معارضيها ، وبالذات لكبرى الحركات الإسلامية في تلك الدول – مصر وتونس والمغرب وليبيا – وهي الإخوان المسلمين التي فتحت سجونها لهم على مصراعيها وحاربتهم وأعاقتهم ومنعتهم ولاحقتهم وجعلت قياداتها محلهم إما في المعتقلات أو المنافي ؛ ظنّت أن ذلك كفيل بأفول نجمهم وانفضاض الناس من حولهم .

 أمعنت تلك الدول في حربها ، ليس على الحركة الإسلامية فحسب وإنما استهدفت الاسلام نفسه ، فاشتغلت فيه تشويها وتغريباً ، وإبعاداً عن مراكز التوجيه والتربية ، ومارست عداء غير مسبوق لتعاليمه لم يسلم منه حتى الحجاب والنقاب ، في المدارس والجامعات والأعمال ؛ ظنا من هذه الأنظمة – أيضاً – أن ذلك سيفيدها وسيغيّر توجهات شعوبها ووعيهم . لم تقف الممارسات القمعية عند هذا الحد ، وإنما استأثرت حتى بالانتخابات ، فحرصت على إيجاد تشريعات انتخابية مفصلة تبعد هؤلاء عنها وتحرمهم من المشاركة فيها مااستطاعت إلى ذلك سبيلاً ، بل مارست كل أنواع القبح والبلطجة والرشاوى والتزييف الانتخابي بحيث أن نتائجها صارت معروفة سلفاً ومثاراً للضحك – قبل السخط – ونسب الفوز لاتنزل عن (99%) !!

لقد حاصرت تلك الأنظمة ( البائدة ) الإخوان المسلمين في أوطانهم ولاحقتهم في خارجها وحذرت وحرّضت عليهم وجعلتهم بمثابة الـ ( فوبيا) التي تتكسب  من تهويله  دعم أمريكا والغرب عن طريق محاربتهم والتخويف منهم .  لم تتورع هذه الأنظمة حتى في آخر لحظات لفظ أنفاسها أن تستجدي دعم الولايات المتحدة وأوروبا وتحذرهم منهم ، وحصل ذلك دون أن يفهموا أن الإخوان المسلمين ومثلها الحركات الإسلامية إنما هي في جذور الشعوب وتستمد بقاءها من مرجعيتها الإسلامية التي حفظ وجودها المولى عز وجل وتكفل باستمرارية جذوتها ، لايستطيع إخمادها طواغيت الأرض مهما بلغ شأنهم .

ولعل اكتساح تيار الإخوان المسلمين انتخابات تونس ثم المغرب ثم مصر إنما هو برهان على فشل سياسات تلك الأنظمة البائدة في حربها ضدهم ودليل عجز عن محوهم من خارطة شعوبها . وقد كتب الدكتور سعد الدين إبراهيم ، وهو بالمناسبة مفكر علماني مشهور مقالاً في شهر أغسطس 2006م  حمل عنوان ” شرق أوسط جديد : غاضب وإسلامي وديمقراطي” جاء فيه ” هذه الحركات والجماعات والأحزاب – يقصد الإسلامية – أثبتت جدارتها اجتماعياً واقتصادياً، قبل أن يعلو صوتها سياسياً، ويشتد ساعدها عسكرياً، فالأبعاد الخدمية لها سبقت الجوانب النضالية أو رافقتها جنباً إلى جنب ، وربما كان وسيظل هذا التكامل الإنساني ـ المجتمعي هو الذي جعل محاولات القضاء عليها غير مجدية بالمرة، ونحن ـ علماء الاجتماع والأحياء ـ ندرك أن الكيانات الحية تستمر في البقاء طالما تكيفت مع بيئتها، وطالما كانت لأعضائها وظائف تخدم وتساعد هذا الكيان في البقاء، وهذه الأحزاب والجماعات والحركات تلبي وظائف مهمة لقطاعات كبيرة من أبناء مجتمعاتها، بل أكثر من ذلك نجحت هي حيث فشلت الدولة الوطنية الحديثة، خلال العقود الستة الماضية (١٩٤٥-٢٠٠٥)، لذلك تجذرت هذه الحركات، والتي اتخذت من الإسلام مرجعية وشعاراً، وستظل موجودة وستنمو ” ويضيف فيقول : ” لقد باءت بالفشل محاولات أربعة عهود مصرية (الملك فاروق، عبد الناصر، السادات، ومبارك) في القضاء علي الإخوان المسلمين، كذلك باءت بالفشل ثمانون عاماً من “الكمالية” في تركيا في اقتلاع المرجعية الإسلامية لدى الشعب التركي “

وكتب مؤخراً الصحفي المصري المشهور جداً ، والمعروف بعلمانيته وتوجهاته المعادية على الدوام للإسلاميين مقالاً في صحيفته حمِل عنوان ” أهلاً بالإخوان ” جاء في مقدمته ” أؤكد أن الأغلبية لو تحققت لجماعة الإخوان المسلمين ، إذا شاءت أصوات ملايين المصريين فإن فى ذلك خيرا كثيرا كبيرا.. لماذا؟ وذكر سبعة أسباب تستحق مطالعتها ومتابعتها ، وأنصحكم بقراءتها.

سانحة :

قال الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي  ( قبل يوم واحد من فراره وزوال ملكه ونظامه ) عندما خرج على شعبه الذي حكمه بالحديد والنار لأكثر من عقدين من الزمان : ” أنه سيحاسب من حجب عنه الحقائق ، ومن نقل إليه معلومات مضللة . إن الوضع يفرض تغييراً عميقاً وشاملاً ” ثم قال ” لقد ضللوني .. أنا فهمتكم وفهمت الجميع ” . 

أضف تعليق