نافذة الجمعة

اتسع الخرق على الراقع

تقوله العرب في أمثالها الشعبية عندما يفسد الشيء حتى فات التلافي . والخرق في الشيء هو إذا انخرق ، وأصله الضعف ، وأما الراقع – وقيل الراتق – فهو الذي يصلح موضع الفساد من الثوب . وهذا المثل مأخوذ من قول ابن حمام الأزدي :

            كالثوب إن أنهج فيه البلى          أعيا على ذي الحيلة الصانع

               كنا نداريها وقد مزقت           واتسع الخرق على الراقع

وهناك قوْل آخر يفيد بنسبته إلى بيت شعر مشهور لأنس بن العباس بن مرداس ، وهو:

لا نسب اليوم ولا خلّة        اتسع الخرق على الراقع

 وسواء أصله من هذا الشاعر أو ذاك فإنه مضى مثلاً عربياً يُقال إذا تعاظمت مشكلة وكان من الصعب حلّها أو لم يعد بإمكان الراقع إصلاح هذا الخرق ، فقد اتسع وتعاظم وكان فوق ما يقدر على إصلاحه. وأحسب أن هذا المثل الشعبي ( اتسع الخرق على الراقع ) قد فرض وجوده على الساحة البحرينية الآن ، ولا يمكن اختصار ( الخرْق ) الذي أحدثته الأزمة المؤسفة  التي مرّت بوطننا العزيز وماتبعها من تداعيات في مجرّد الانتقال من حوار إلى حوار أو  من لجان إلى لجان ؛ فقد – كما قال ابن حمام الأزدي – ” كنا نداريها وقد مزقت واتسع الخرق على الراقع ” .

 نقترب الآن من مرور عام كامل على بدء هذه الأزمة ، بينما ضحاياها تتزايد ، ليست على مستوى الأرواح والإصابات ، كما قد يتصوّر البعض ؛ إنما الآثار والخسائر الحقيقية قد أصابت الوطن – كامل الوطن – في مقتل ، فهاهي الوحدة الوطنية التي جمعت البحرينيين عقوداً من السنين ، صنعوها بتعايشهم ومحبتهم وألفتهم ، قد دبّ فيها الآن الانقسام وصار الفرز الطائفي عنواناً بارزاً في مناحي الحياة المختلفة ، في المدارس ، كما الجامعات ، كما الأعمال ، بل حتى على مستوى علاقات الجوار والصداقة والزمالة . وهاهو السّلم الأهلي صار يترنّح تحت مطارق الترقّب والقلق من أعمال شغب وفوضى وحرق إطارات وحاويات وسكب زيوت وسدّ شوارع وإلقاء مولوتوف وما شابهها من أعمال ترويع وتخريب واعتداء في حركة لاتكاد تهدأ ، أثارت معها مخاوف حقيقية – وليست وهمية – على الأمن والاستقرار ، في حاضر البلاد ومستقبله واقتصاده ، وهنالك تدخلات أجنبية في شؤوننا كادت أن تخطفه ، وهناك استعداءات واستقواءات بالخارج . وهاهي دعاوى التحريض والتخوين والمقاطعة والانتقام والتسقيط وما شابهها من اتهامات وإفرازات أنتجتها وروّجت لها وساعدت عليها وتسبّبت فيها وتتحمّل مسؤوليتها هذه الأحداث التي مزّقت المجتمع الواحد ، وفرّقته فسطاطين ، وجعلته ( حسينيين ) و ( يزيديين ) . وأفرزت من التبعات والتداعيات ما زادت به الخرق و ” أنهج فيه البلى ” مما قد لا تنفع لتجاوزه طرح مجرّد حلول وأدوات سياسية عن حكومة أو برلمان بينما مداميك أساسية للتعايش وللمستقبل في المجتمع قد تم ضربها ، ربما لاتستطيع أن تصلحها حكومات ولا برلمانات لا لشيء سوى أن الخرْق قد اتسع على الراقع .

سانحة :

      يقول الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن  ” أنه لو عرفنا أين نحن، وماذا جرى بنا، لعرفنا ماذا نفعل، وهل ما فعلناه كان كما يجب ؟ “

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s