كلنا يعرف الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقرأنا عن مقدار بطشه وجبروته إبّان ولايته على الكوفة ، وفي ذلك قصص وروايات سار بها الرُكبان ، غير أن مما لايعرفه الكثيرون أن هذا البيت من الشعر قد قيل في الحجاج نفسه رغم شهرته بالقوة والطغيان . إذ يُروى أن امرأة اسمها ” غزالة ” وهي فقيهة وخطيبة ومن أشدّ النساء المحاربات ، ولها زوج اسمه ” شبيب ” لايقلّ عنها جبروتاً وشجاعة ؛ نذرت لله نذراً أن تصلي في مسجد الكوفة الجامع ركعتين، تقرأ في الأولي سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران ، وهي تتوقع أن الحجاج الذي يدير الكوفة بالحديد والنار لن يسمح لها بذلك . لكنها أصرّت على الوفاء بنذرها وطلبت من زوجها ” شبيب ” أن يساعدها فجاءت إلى الكوفة على رأس مجموعة من الخوارج يقودهم زوجها الذي قتل في طريقه العشرات من خيرة جنود الحجاج معتزاً بفتوته وبطشه ، لم يأبه – هو أو زوجته – للدماء التي أراقوها والأرواح التي أزهقت .
وسار ” شبيب ” وجنده في شوارع الكوفة وبجواره زوجته “غزالة ” حتى دخلت المسجد لتصلي فيه وتوفي بنذرها ، ووقف هو وبعض جنوده عند الباب لحراستها، حتى أدت نذرها وعاد من حيث قدِم دون أن يجرأ الحجاج بن يوسف الثقفي على منعهم أو مقاومتهم . ويُقال أن الحجاج فرّ من وجه ” غزالة ” عندما دخلت عليه الكوفة وفضّل أن يحتمي منها في قصره ومعه آلاف من جنوده.
بعد انتهاء هذه الحادثة أرسل الحجاج في طلب عمران بن قحطان شاعر الخوارج ، وصار يتهدده ويتوعده فما كان من هذا الشاعر إلاّ أن قال هذه الأبيات الشعرية ساخراًً ومتهكّما على جبن الحجاج في حرب ” شبيب وغزاله ” .. وهذه الأبيات :
أسـد علي وفي الحروب نعامـة…… ربداء* تجفل من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى….. بل كان قلبـك في جناحي طائـر
وقد مضى هذا الشعر منذ ذاك الوقت – قبل مئات السنين – مثلاً يردده الناس عندما تتكرر ذات حالة حادثة الحجاج ، حالة التناقض في المواجهة أو حالة المواجهة في غير أوانها ومحلها أو حالة الازدواجية في ( المريلة ) أو إظهارها عند عدم الحاجة إليها أو ما شابهها من حالات تم اختصارها حديثاً في المثل الشعبي ( أبوي مايقدر إلاّ على أمّي ) ..
سانحة :
قتلى وضحايا بطش النظام والجيش السوري بين أبناء شعبهم يفوق بكثير ضحاياهم في العدو الصهيوني – إن وُجدت ضحايا أصلاً – . بمعنى أن ( الأسد ) يقاتل في المكان الخطأ ، فينطبق عليه قول الشاعر : أسـد علي وفي الحروب نعامـة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الربداء هي الناقة الجالسة على الأرض
في القول تشفي ظالم ومجحف بحق الحجاج .
فالحجاج لم يقاتل غزالة ،لأن في قتالها مسبة للحجاج ،سيعيّر بها إن انتصر عليها ،وإن تعادلا ،وإن انتصرت عليه ،لكونها امرأة ،لذلك رفض قتالها .
إعجابإعجاب