راصد

( ألا إنّي أُكِلْت يوم أُكِل الثور الأبيض)

هي عنوان قصة مشهورة ورائعة مروية في قصص الحيوانات وحكاياتهم التي يجدر بنا بين حين وآخر أن نتفكّر في طريقة حياتهم ونتعلّم من تدبيرهم لمعيشتهم أو حتى نقتدي بلوائح نظام وانضباط ربما نحتاج تقليد مايجري في بعض ممالكهم ، كالنمل أو النحل مثلاً . على أن هذه القصة التي سُجّلت في أحد أروع كتب التراث والتاريخ ، وهو ” كليلة ودمنة ” أصبحت مثلاً مشهوراً نمضي في ضربه إزاء حالات ضعف وفرقة و( سذاجة ) تتحجّم فيها المصالح ويضيق بشأنها الأفق فتكون أشبه بقصة نعيشها في واقعنا ونحسّ بها أمام الكثير من مشكلاتنا وأزماتنا وفرقتنا ونرجع إليها أسباب ما يمكن أن نتعرّض له من معارك أو صراعات لم تكن لتحدث لو منعنا ابتداء أكل الثور الأبيض.

هذه القصة من عالم الحيوانات صارت أيضاً عنواناً لدعوات كثيرة لاينقصها الإخلاص ، تنادي بالاتحاد والقفز على الأهواء والتعالي على النزاعات أو النزعات وإنكار الذات والتخلّص من عقدة الـ ( أنا ) تدعيماً للقوّة وحفظاً للبقاء في عالم يموج بالمستجدات والتكتلات والتحالفات وينقرض منه الضعفاء الذين ضاقت عليهم عقولهم وتغلّبت سفاهتهم ومحدودية أفقهم على رشدهم .

هذه القصة تصلح أيضاً لأن تكون رسالة أو إنذار لأولئك الذين لم توحدهم الأزمات ولم تغير في ممارساتهم الأحداث ، ولم توقظهم مخاطرها ، على جسامتها ، ففضلوا أن يبقوا أصفاراً أو أشتاتاً يُضعف بعضهم بعضاً ، في سبيل منصب أو دينار أو ما شابه ذلك مما سنعرف مثله في قصة  الثور الأبيض !!

 تقول القصة المعروفة إن ثيرانا ثلاثـة كانت في أَجَمَةٍ ، ( أَجَمَة : مكان فيه شـجر صغير وكثيف وملتف ) وكان واحدا منها أبيض، والآخر أسود ، والثالث أحمر، وكان في هذه الأجمة أسد، فكان الثيران الثلاثة لاجتماعهم لا يقدر عليهم أحد ، فأخذ الأسد يفكّر كيف يتغلّب على هذه الوحدة.  وذات يوم قال الأسد للثورين الأحمر والأسود : إن وجود الثور الأبيض بيننا خطر علينا ، لأنه يدلّ علينا ببياضه ، أما أنا وأنتما ، فألواننا متماثلة ، فلو تركتماني آكله ، صفت لنا الأجمة.  فقالا:  دونك فكُله ، فأكله.

ومضت أيام وجاء الأسد إلى الثور الأحمر وقال له : إن لوني مثل لونك ، فدعني آكل الثور الأسود ، لتصفوا لنا الأجمة . فقال الثور الأحمر: دونك فكُله، فأكله.
ولم يبق في الأَجَمَة إلا الأسد والثور الأحمر، ورأى الأسد أنه قد تمكّن من هذا الثور بعد فقده أخويه ، فقال له : أيها الثور، سآكلك لا محالة ، فقال له الثور: دعني أنادي ثلاثاً.
فقال الأسد: افعل . فنادى الثور بأعلى صوته : ( ألا إني أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض) .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s