الغَيْرة بـ (الفتح ) هي المصدر من قولك : غار الرجل على أَهْلِه والمرأَة على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْرًا وغارًا وغِيارًا . والغَيْرة في الاصطلاح هي الحَمِيَّة والأنَفَة . والغَيْرة في قيمنا وأعرافنا وعاداتنا تعني خصال عربية وإسلامية أصيلة تدور في أعمال النصرة و( الفزعة ) للمظلومين والاستجابة لنداءات الإغاثة .
والغَيْرة في تاريخنا المجيد ؛ سطّرت في صفحاته البيضاء وسجلاته الناصعة قصص وأحداث تفسّر العزّة والكرامة وتبين حال التماسك وتداعي المسلمين لحفظ الدين والأعراض والأرواح بصورة تمنع أعداءهم حتى من مجرّد التفكير في الإساءة إلى أي مسلم . وذلك قبل أن يدور الزمان ويتخلى المسلمون عن روائع إسلامهم وتتفرّق دولتهم ويضعف جمعهم فتُصبح دماؤهم أرخص الدماء بين البشر، ويُصار إلى أن أخبار إزهاق أرواحهم وإراقة دماءهم وانتهاك أعراضهم هي من الأحداث العادية التي لاتحرّك ساكناً ولاتثير غيرة وحميّة أحد .
قبل حوالي أسبوعين من الآن حدث انفجار في مدينة بوسطن الأمريكية ، اهتز العالم لوقوع مجرّد ثلاثة أو أربعة قتلى ، بيانات الاستنكار وبرقيات العزاء لم تتوقف ، الفضائيات تسمّرت كاميراتها إلى هناك ، علامات الحزن والشجب ارتسمت على وجوه القادة والساسة ، لم تستثن منها حتى من هم في ديار العروبة والإسلام . حدث ذلك في ذات الوقت الذي تجري فيه حمامات الدم الزكية لإخواننا في بلاد الشام بشكل يومي دون أن تحظى ولو بجزء قليل من ( الفزعة ) العالمية لتفجيرات بوسطن.
والآن ، تُرتكب مجزرة منظمة ، مع سبق الإصرار والترصد في ( الحويجة ) العراقية ، لايعرف حتى الآن – بالضبط – أعداد شهدائها وضحاياها ، يلوذ العالم بالصمت حولها ، تلتزم حتى دول العروبة والإسلام بالهدوء والسكون ، تغيب عنها غيرة الله ، حتى المنظمات و( الدكاكين ) الحقوقية فشلت في إظهار ( فزعتها ) تجاهها ، وهو فشل يُضاف إلى رصيد عدم حياديتها ومقدار تآمرها على دمائنا وبلداننا .
مجزرة ( الحويجة ) العراقية لاتختلف عن مثيلاتها من المذابح السورية التي يكون دافعها طائفي حيث الذبح والفتك على الهوية لأهل السنة والجماعة وتبعث رسائل خوف وتحذير ورسائل حزن على تردّي الأحوال والعجز عن الحماية والإنقاذ .
في المستقبل ، في يوم من أيامه – عاجلاً أم آجلاً – سيلتفت أبنـاء سوريا وأبناء العراق إلى أطلال وقبور آبائهم وأجـدادهم ، وسيرون على شـواهدها تخلّي العرب والمسلمين عنهم ، ووقوفهم – بالصمت والعجز وربما التواطؤ – إلى جانب الفتك بهم ، إلى جانب الظلمة والطغاة الذين ارتكبوا أبشع المجازر ، خرّبوا بلادهم ونهبوا خيراتهم ورمّلوا نساءهم وشرّدوا أبنائهم ونزعوا من بين أيــاديهم أعزائهم وفلذات أكبـادهم في صورة لايماثلها إلاّ مافعله المغول والتتار ، وسيتعرّفون حينئذ على كيفية ضياع الشهامة وفقدان الغَيْرة من زعماء وقادة وأنظمة حكم يُفترض أنهم ( أبوالغَيْرة ) .
سانحة :
(أبوالغَيْرة) لقب أثير لدى كل عراقي غيور، فمجرد أن تستنجد وتنتخي بأحد من العراقيين قائلا له (أخوي أبوالغيرة) حتى تراه يتحوّل خلال لحظات إلى شعلة من الفداء والتضحية ، حتى لو دفع مقابل غيرته تلك أعز ما يملك . ولعلّ ماحدث من مذبحة في (الحويجة) سيسجّل صحوة جديدة لأبي الغيرة تمتد – إن شاء الله – إلى خارجه ، نصرة للدماء الزكية والأرواح الطاهرة.