نافذة الجمعة

مالي أراكم نياماً في بُلَهْنِيَةٍ ؟

بحسب معجم الصحاح في اللغة يُقال عن الرجل : هو في بُلَهْنِيَةٍ من العيش، أي في سعةٍ ورفاهِيةٍ. فهذه الكلمة (بُلَهْنِيَةٍ ) تعني سعة العيش وبحبوحته . وقد اشتهر ذكرها حينما جاءت في مطلع قصيدة حماسية ( نارية ) أطلقها في سابق الزمان أحد الشعراء المخلصين لقومه يحذرهم من كارثة غزو لعدوّ آثم قضى شطراً من حياته ينتظر فرصة الانقضاض على قوم هذا الشاعر الذي أبدى أسفه وتوجعه لأن قومه واجهوا التهديد والخطر بالفرقة والمزيد من التشتت .

الشاعر المذكور هو لـقـيـط بـن يـعـمر الإيادي ، شاعر جاهلي ، وكانت قـبـيـلـتـه ( إياد ) ينزلون سواد العراق ، وهي منطقة شمال شرقي الجزيرة العربية الآن، وبالرغم مما بين هذه القبيلة وبين الفرس من مناوشات وعداءات إلا أن ( إياد) لم تأخذ ناحية الاستعدادات ، ولم تأبه بالمخاطر ، ولم تُعِر تهديدات جيرانها ( الفرس) ما تستحقّه من الاهتمام أو مايفرضه منطق الحذر والاحتياط من إجراءات وأمور تدعم جاهزيتهم للدفاع عن وطنهم وحمايته .

وكان الشاعر لـقـيـط بـن يـعـمر الإيادي يعمل في ديوان كسرى حيث أمره بأن يكتب لقومه كتاباً يطمئنهم فيه إلى نوايا كسرى تجاههم ويخفف من حدّة العداء والتوتر . غير أن لقيطاً قد عرف حقيقة المؤامرة وخبث كسرى فكتب قصيدته المشهورة إلى قومه ، يحذرهم ويستنهضهم ، ويعيب عليهم ركونهم إلى الرخاء والرفاهية واللامبالاة بينما طبول الحرب تدق قربهم وعدوّهم يتحيّنهم ، مثلما جاء في مطلعها :

مالي أراكم نياماً في بُلهنيَةٍ                وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا

ثم أبدى أسفه على تفرّق صفوفهم ، فقال :

يالهف نفسي إن كانت أموركُمُ              شتى ، وأحكم أمر الناس فاجتمعا

ثم واصل الشاعر في قصيدته الدعوة إلى شحذ الهمم والمحافظة على الأرض والهوية والعرض ، فكان مما قال :

ياقوم إن لكم من إرثٍ أولكم              مجداً أحاذر أن يفنى وينقطعا

 ماذا يرد عليكم عز أولكم                إن ضاع آخره أو ذل واتضعا؟

         ياقوم لاتأمنوا إن كنتم غيراً               على نسائكم كسرى وماجمعا

هو الفناء الذي يجتث أصلكم             فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا؟

ثم ختم قصيدته :

  هذا كتابي إليكم والنذير معاً              لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

وقد بذلت لكم نصحي بلا دخلٍ          فاستيقظوا إن خير العلم مانفعا

 

القصيدة الآنفة الذكر تصلح لأن نستحضرها اليوم لنقول ( ما أشبه الليلة بالبارحة ) حيث طبول الحرب تدق من كل صوب ، والأعداء يتكاثرون ونواياهم لاتخفى على أحد لكن الجميع يعيشون كقبيلة ( إياد ) ويتعاملون مع التهديدات مثلهم حتى أن التاريخ يذكر أن قبيلة ( اياد ) لما جاءتهم تحذيرات ناصحهم وابنهم المخلص الشاعر لـقـيـط بـن يـعـمر ؛ اختلفوا على أنفسهم ولم يأخذوا رأيه على محمل الجدّ فغزاهم كسرى وهزمهم ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s