راصد

وداعاً للـ ( شنو صار )

( الواتس أب ) هي خدمة تعني ( ماالجديد ) ، وفي لغتنا الدارجة ( شنو صار ) تم إطلاقها على يد شاب أوكراني اسمه جان كوم ، يبلغ من العمر (37) عاماً ، قضى جلها في الدراسة والتعلم الذاتي من خلال انغماسه في علم شبكات الحاسب الآلي واهتمامه بأن يكون مخترعاً أو صاحب شأن رفيع في هذا المجال بالرغم من عوزه وفقره المدقع الذي كان قد قاده في فترة من الفترات إلى أن يكون جامع ومتلقى لتبرعات المحسنين وجهات الإعانة الحكومية .

جان كوم قرر مع صديقه بريان أكتون في عام 2009م  التفكير في إطلاق برنامج جديد للدردشة بشرط أن يكون مجاني ويقدم خدمات وتسهيلات للمشتركين أفضل من خدمة الرسائل النصية SMS دون أن يعرفا أن اختراعهما – بعد نجاحه – سيستحوذ على ألباب مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء المعمورة ، وسيكون من أفضل وسائلهم للتواصل ومعرفة الأخبار وتناقل المعلومات والصور والتسجيلات وكذلك التعبير عن آرائهم ومشاعرهم وخلجات أنفسهم ، حتى أنها ( الواتس أب ) صارت تستقبل (450) مليون مشارك شهرياً ، أحسب أن أعداداً كبيرة منهم – خاصة في وطننا العربي والإسلامي – بات عليها من الصعب التوقف عن هذا الـ (شنو صار) حتى لو لبضع ساعات أو دقائق من غير أن تشعر أن جزءاً حياتياً هاماً منها لاتستطيع أن تتخلى عن علاقة العشق والغرام التي نشأت بينهما وتجاوزت – ربما- حدّ الإدمان !

في نهاية الأسبوع الماضي تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً مفاده أن جان كوم صاحب ( الواتس أب ) قد باع اختراعه بعد أن عقد صفقة مع إدارة شبكة ( الفيسبوك ) واستلم ثمناً لها مبلغاً لايوازيه في خياليته إلاّ الملايين المهووسة باستخدام اختراعه ، المبلغ المقصود ناهز الـ (19) مليار دولار!!

تناقل الناس خبر عملية البيع بحزن شديد باعتبار أن خدمة ( الفيسبوك ) غير آمنة ، وانتشر على مدار الأيام القليلة الماضية بشكل كبير أخبار ومقالات ومعلومات عن عمليات الاختراق والتجسس ، كل يفسّر ويحلل ، وكل أصبح يطلق مايشاء من تطمينات أو تحذيرات بصدد مختلف شبكات وأدوات التواصل الإلكترونية التي غزت حياة البشر ومعاشهم مع أن الاعتقاد شبه السائد أن طوفان التجسس لايقف عند حدّ ، ولا يمكن التسليم بأن أداة من تلك الأدوات بعيدة عن قبضة الأمن وأجهزة المخابرات .

فجأة ، ومن دون سابق إنذار ظهر إلى السطح تطبيق جديد اسمه ( التيلغرام ) جرى تقديمه كبديل مرغوب وآمن ، المعلومات المتداولة عن التسجيل فيه تقول أنه يشهد (100) عملية تسجيل في الثانية الواحدة ! وأنه خلال يوم واحد ، وهو يوم السبت سجل فيه مليونا و800 ألف مستخدم جديد !!

المتابع لهذه التطورات لن يفوته إدراك حجم التبعية والتخلف الذي دائماً ما يقودنا إلى أن نكون فقط متلقين ، وغير قادرين على مسك زمام المبادرة والاختراع ، ربما لأسباب ذاتية صنعناها بأنفسنا أو لأسباب مجتمعية تتعلق بتأخر مرتبة التشجيع والاهتمام بالعلم والاختراع على حساب تقدّم مراتب أخرى لم تعد لها قيمة تُذكر في حياة البشرية الآن ، ولايجري إحيائها أوإيلائها أي اهتمام ، سوى في دولنا التي صار فيها للرياضة والرقص والطرب وأشباهها ميزانيات فارهة وباذخة يسيل لها لُعاب الطلبة الذين يحتلون قوائم الشرف وأساتذة الجامعات المنكبّين على بحوثهم العلمية ومختبراتهم والأطباء الساهرين مع مرضاهم ومباضعهم وماشابههم من فئات هي قادرة على الإبداع والاختراع عندما يتعدّل سلّم الأولويات والاهتمامات في مجتمعاتنا ، ونستطيع أن يظهر من بين جنباتنا مئات ، وربما آلاف من أمثال جان كوم صاحب ( الواتس أب ) الذي سرق ألباب الملايين من البشر واستقطب اهتمامهم  واستحوذ على أجزاء كبيرة جداً من أوقاتهم قبل أن يستلم (19) مليار دولار ، ويقول : وداعاً للـ ( شنو صار ) .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s