في الزمن القديم ؛ اعتاد أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا أن يوغلوا في عالم الجن فيجعلون منه قصصاً وحكايات مضت مع الوقت موروثاً شعبياً خصباً ، صيغت فيه أساطير وخرافات ، وصنعوا منه شخصيات هي أقرب إلى نسج الخيال الواسع ، لكنهم – رغم علمهم بعدم صحتها – جعلوها إرثاً صالحاً للاستعمال حتى ولو اختلفت فيه الروايات أو تبدّلت الشخصيات ، بل وتفننوا أو أبدعوا في استغلال تلك الخرافات والشخصيات في أغراض تخويف وإرهاب أطفالهم ومنعهم عن أن يرتكبوا شيئاً يرفض الآباء والأمهات قيام أبنائهم بعمله ، أو دفعهم في غالب الأوقات للخلود إلى النوم والاستكانة .
كان الأطفال والصغار يصدقون هذه الأكاذيب اعتماداً على ضعفهم وبساطة علمهم وصغر نموّهم وضآلة خبرتهم ، فكانت مسميات لشخصيات ( تخويفية ) معينة كفيلة بأن ترعبهم وتفزعهم و( تترس ) أحلامهم وتقضّ مضاجعهم ، وتجعلهم – ربما – يتخيلونها في صحوهم ومنامهم . من يستمع إلى تلك القصص ؛ لاشك أنه سيعذر هؤلاء الأطفال الصغار على خوفهم ومقدار ( تخرّعهم ) منها .
من تلك الشخصيات – مثلاً – ( إحمارة القايلة ) التي لا تظهر إلا وقت اشتداد حرارةالشمس وتوسطها السماء ظهرأ ، وكانت توصف كأنها وحش تدوس كل ما تراهأمامها من الأولاد الصغار ، ثم تأكلهم . ومن ذلك ( الخبابة ) التي يُقال إنها امرأة طويلة متشحة بالسواد من رأسها إلى أخمص قدميها ، تختطف الأطفال وتغوي الرجال ، وكذلك ( الدعيدع )الذي هو رجل يظهر لك في الليل إذا سهرت وتهت في العودة ، ويكون على شكل نور يضيعك ولاتدل الطريق حينئذ .
أما إخواننا في العراق والكويت فقد اشتهرت لديهم شخصية أخرى لاتقلّ في ( تخريعاتها ) عمّا كان عندنا ، هذه الشخصية هي ( الطنطل )الذي تعرّفه بعض المعاجم بأنه كائن من الأشباح طويل القامة عظيم الجسم يتمثل للسارين في الليل لاسيما في المناطق المظلمة وفي الليالي الحالكة السواد . ويرى أهل بغداد أن (الطنطل) يظهر ليلاً بصفة إنسان هائل الحجم، عظيم الطول، عاري البدن، لا تنقص مظهره أية مقومات لإثارة الرعب .
على العموم ، مع مضي الزمان تحوّلت هذه الشخصيات ( احمارة القايلة – أم الخضر والليف – السعلوة – الخبابة – دعيدع – الطنطل … إلخ ) إلى رموز للتحذير من مصدر خطر يتوهم الصغار أنه يتهددهم عندما يطلقه آباؤهم وأمهاتهم فيرهبونهم عن مغادرة البيت أو لدفعهم للهدوء أو النوم اعتماداً على الخوف الذي تمثّله تلك الأسطورة في وعيهم الجمعي نتيجة قصص وحكايات يتناقلها الكثيرون ويصغون إليها باهتمام رغم معرفتهم المسبقة أن فيها الكثير من المبالغة إن لم تكن كلها ( شلخ في شلخ ) .
من يقارن اليوم بالماضي فسيكتشف أن الكبار والأقوياء في عالم اليوم – ربما – استفادوا من مورثاتنا الشعبية وجعلوا من خرافات وأساطير ( طنطل والخبابة ودعيدع وإخوانهم ) قصص قابلة للاستخدام والتكرار في مسلسل رعب للصغار والضعفاء ، بمسميات أخرى مثل ( القاعدة أو داعش ومؤخراً الإخوان وسيُضاف إليهم السلفيون وربما الصوفيون أو …. إلخ ) فيجعلونهم أسارى و( فزعين ) من إرهابهم حتى لو كانت تلك المسميات والاصطلاحات مجرّد فبركات وأكاذيب صيغت على طريقة ( طنطل والخبابة ودعيدع وإخوانهم ) للتخويف والتحذير من خطر وهمي يُراد من ورائه تحقيق أهداف ومصالح معينة لاعلاقة لها بتلك المسميات ( الكذوبة ) .