هي من أشهر الروايات الأدبية للمفكر الرائع توفيق الحكيم الذي هو أحد النوابغ في تاريخ الأدب المعاصر حيث زوّد المكتبة العربية بــ (62) كتاباً وبأكثر من (100) مسرحية ، ترك بواسطتها بصمة معروفة له كغيره من الأدباء والروائيين الكبار . وقد تميزت أعمال الحكيم بالتنوّع وكذلك فيها فسحة كبيرة من السخرية الهادفة حيث يبرز أهمها في كتاباته عن الحمير ، فقد كتب عنها ثلاث روايات ، هي “حماري قال لي” ثم “حمار الحكيم”، و”حماري وعصاي والآخرون”
توفيق الحكيم قال عن الحمار : ” لقد سميته – أي الحمار – الفيلسوف وقد علمني أشياء كثيرةبمجرد صمته وارتفاعه عن لجج البحر الخضم ، بحر السخف الإنساني” ولذلك فإنه بالرغم من طابع السخرية الذي غلب على كتاباته في هذا الشأن – شأن الحمير إلاّ أنه استطاع استخدامه في بيان واقع أمور كثيرة مرّت عليه في حياته ، جعل من حواره مع الحمار سبيلاً لكشفها وتفصيلها وتوصيل الفكرة التي يريدها .
كتابه ( حمار الحكيم ) هو أحد أشهر ماخطّه في مجال علاقته بالحمير ، الكتاب أصدره عام 1940 ويتكون من (14) فصلاً ، كتبه بأسلوبه البسيط والممتع الذي لم يخلوا من العبارات باللهجة المصرية . بدأ الكتاب بقصة كيفية شرائه للحمار وكيف ساقه القدر لشرائه صدفة أثناء ذهابه لحانوت الحلاق ، يقول : ” وأشرفت على حانوت الحلاق، وإذا أنا أراه، أرى ذلك الذى كتب لى أن يكون صديقى، رأيته يخطر على الإفريز كأنه غزال، وفى عنقه الجميل رباط أحمر وإلى جانبه صاحبه، رجل قروى من أجلاف الفلاحين.ووقف المارة ينظرون إليه ويحدقون، وبجمال منظره ورشاقة خطاه يعجبون، لقد كان صغير الحجم كأنه دمية، أبيض كأنه قد من رخام، بديع التكوين كأنه من صنع فنان، وكان يمشى مطرقا فى إذعان، كأنما يقول لصاحبه، اذهب بى إلى حيث شئت فكل ما فى الأرض لا يستحق من رأسى عناء الالتفات. ذلك هو “الجحش” الصغير الذى استرعى أنظار الناس فى ذلك الشارع الكبير. وكان صاحبه يريد بيعه فيما خيل إلىَ، فلقد سمعته يقول لمن أحاط به من مارة وباعة صحف وغلمان، بخمسين “قرش”! وكانت قدماى على الرغم منى تسيران بى مع الجمع المحيط بالجحش، وكانت عيناى على الرغم منى لاتنحرفان عن النظر إلى هذا المخلوق الصغير الجميل، وإذا بفمى على الرغم منى ينطلق صائحا: بثلاثين “قرش” فالتفت الجمع كله نحوى، ودار لغط وارتفع الكلام وفجأة أصبح هذا الحمار في ملكه .
سانحة :
يروي الحكيم أن حماره سأله ذات يوم عن الفرق بين معشر الحميرومعشر الآدميين؟ وأجاب الحمار: وجدت أن الفرق الأساسي بيننا وبينكم هو أنكم تعرفونالنفاق ونحن لا نعرفه وقد عللت نفسي ومنّيتها بحلم جميل هو أن تعلمني النفاق لأنه لوأمكنني تعلم النفاق وإدخاله في فصيلة الحمير لانقلبنا مخلوقات مثلكم.
ثم يضيف : المجتمع يشمئز منالآثم واللص والشرير والفاجر، ولكن لو ابتسم الحظ لواحد من هؤلاء فنال سلطة، أوأصاب ثروة فسرعان ما يبتسم له المجتمع أيضا ويستقبله استقبال الأمجاد الأبطال.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم
إعجابإعجاب