راصد

محاولة الفهم بين (س) و(ص)

( س) من الناس ، مواطن بسيط من الشريحة الكبرى الغالبة في المجتمع ، التي تُسمى بشريحة ذوي الدخل المحدود ، أراد في يوم من الأيام بناء إضافة ما في منزله ، تحديداً طابق فوق طابقه الأرضي . بحسب اللوائح والأنظمة التي تحرص هذه الشريحة على تطبيقها ( بالمللّي ) ؛ قام صاحبنا (س) بإعداد الخرائط الهندسية واستخراج الرخص البلدية اللازمة ، وتوكّل على الله وبدأ البناء . بالطبع بعد الاقتراض والاستدانة لأن مثل هذه الشريحة لاتستطيع البناء اعتماداً على مداخيلها أو مدخراتها التي ليس لها وجود .

وفي الأثناء ؛ ارتأى (س) أن يبني أيضاً في ( حوش ) بيته – لاحظوا في داخل بيته – حمّاماً صغيراً قد لاتتعدّى مساحته مترين أو ثلاثة – أقلّ أو أكثر – دون أن يدري بمخالفة هذه الإضافة المستحدثة للنظم واللوائح .

المهم أن صاحبنا (س) بعد الانتهاء من بناء طابقه الجديد : لم تُعطه البلدية الترخيص النهائي لمدّ الخدمات وأهمّها تزويده بالكهرباء إلاّ بعد أن أرغمته على هدم الحمّام الصغير باعتباره مخالفة تستوجب الإزالة ، أمثال (س) يعرفون قساوة هذا الإجراء على ميزانياتهم التي تحسب ( للفلس ) الواحد ألف حساب وحساب لكنهم امتثالاً للقانون والنظام لايترددون تجاه التراجع عن مخالفاتهم والعودة لما تفصل فيه تلك اللوائح والأنظمة .

في الحقيقة ؛ لايوجد أي اعتراض على تطبيق القوانين والأنظمة بمثل هذه الدقّة . وهي إجراءات حازمة وصارمة تستحق الشكر والتقدير إذا كان الجميع يستوي تحت مظلتها في ذات الإجراءات المتخذة مع هذا الفقير المسكين المسمّى (س) ، لكن يصعب تشجيعها أو فهمها إذا شذّ عنها ( ص) من الناس .

و(ص) من الناس هو مستثمر – سواء شخصية طبيعية أو اعتبارية – لاينتمي لشريحة صاحبنا ( س) التي هي شريحة ذوي الدخل المحدود ؛ ارتأى ( ص) قبل بضع سنوات بناء مجمع تجاري على مساحة واسعة ، مئات أو ربما آلاف الأمتار ، أعدّ الخرائط الهندسية واستخرج الرخص اللازمة باشتراطات واضحة وملزمة ، ثم بدأ تشييد وبناء مجمّعه وفق معايير واشتراطات تم تسطيرها في اتفاقيات ملزمة ، وقد يكون متعارف عليها في مثل مشاريع بتلك الأحجام ، وتُنشأ في مناطق سكنية .

بعد حوالي ثمان سنوات ؛ جهز المجمع وتم تزويده بكافة الخدمات بما فيها الكهرباء ، بل وتم تأجير محلاته البالغة أكثر من (200) محلاً ، والأكثر أنه جرى افتتاحه ؛ لكن يكتشف البلديون حينئذ – وليس قبْل- أن المجمّع أو القائمين عليه لم يلتزموا بالاشتراطات الموقع عليها في الرخص والاتفاقيات !!

المخالفات المُشار إليها ليست في حجم الحمّام الصغير الذي أضافه صاحبنا الأول ( س) ومنعوا توصيل الكهرباء عنه بسببه ، وأصرّوا على ذلك حتى أزاله بنفسه وعلى حسابه الخاص . مخالفات السيد ( ص ) كبيرة تتعلق بشوارع أو جسور ومداخل ومخارج لم ينشأها بموجب الرخص والاتفاقيات ، ومع ذلك أعطوه كهرباء وخدمات على عكس صاحبنا (س) الذي لم تصله الكهرباء إلاّ بعد الالتزام التام والدقيق والحازم والصارم ، مع أن مخالفته كانت داخل ( حوش ) بيته ، وتتعلق بمترين أو ثلاثة فقط !!

المقارنة بين ( س) و(ص) تدفعنا للسؤال الكوميدي المشهور : هل كيف ؟

أضف تعليق