راصد

معادلة الكلب والصحن

قصة جميلة فيها عدّة معانَ ، ويمكن حمْلها مغازٍ تصلح للاعتبار والتأمل ، وكذلك الانتباه والحذر . راوي القصة هو السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني ، ذكرها لأحد ضيوفه الأوربيين عندما سأله عن المفاوضات الإيرانية مع الغرب حول الاتفاق النووي .

القصة تتحدث عن تاجر آثار أمريكي ، خبير ومحنّك يعرف خزائن التاريخ الإيراني جيداً ، قَصد بازار طهران متجوّلاً بحثاً عن صفقة العمر، فلمح كلباً يأكل في صحن قرْب مدخل متجر سجاد فوقف متأملاً، حتى تيقن أنّ الصحن ينتمي إلى عصر تاريخي قديم، فذهب إلى التاجر وفي باله ألا يلفت نظره لقيمة وأهمية الصحن، كي لا يطلب له ثمناً مرتفعاً، فتقدّم من التاجر سائلاً: إذا كان الكلب للبيع، فأجابه التاجر للتو بالإيجاب . وبعد تبادل سريع لعروض التفاوض تمّت الصفقة – صفقة بيع الكلب – بمبلغ مقبول، فحمل الخبير الكلب الذي اشتراه موحياً بالفرح وهو يداعب فروة رأسه .

والتفت تاجر الآثار الأمريكي إلى التاجر بعد خطوتين سائلاً : هل يمكن أن لانحرم هذا الكلب من صحنه الذي اعتاد تناول الطعام منه، فاعتذر منه التاجر الإيراني بأدب، ولما عرض عليه شراء الصحن زاد اعتذار التاجر الإيراني بنبرة جدية، ولما بدأ يعرض أسعاره ويرفع بها حتى بلغ رقماً خيالياً، قال له التاجر الإيراني: لولا هذا الصحن كيف أبيع كلّ يوم مثل هذا الكلب لأمثالك؟!

وعلى ذلك فإن كثيراً من المفاوضات والصفقات من حولنا ، سواء في عالم السياسة أو غيرها تكون موضوعاتها وأهدافها الرئيسية تختلف عما هو معلن للناس بشأنها ، وربما لاعلاقة لها إطلاقاً بالتصريحات المنشورة أو المتلفزة عن محتويات وأغراض هذه المفاوضات أو الصفقات لأن التفاوض – خاصة في أجواء الغدر وبين أطراف معروفة باللؤم و( الخسّة ) – يجري على عنوان بينما العين على عنوان آخر ! وبالتالي لايمكن النظر إلى الاتفاق النووي بين الغرب وإيران إلاّ في إطار تلك المعادلة ؛ معادلة الكلب والصحن في القصة التي رواها رئيس مجلس النواب اللبناني لضيفه ، وماعلينا إلاّ الانتظار لاستكشاف البنود السرية أو ( تسريبات ويكليكس ) أن العين في هذا الاتفاق كانت على شيء آخر غير العنوان الذي تم الإعلان عنه !!

سانحة :

يقول روبرت فروست : “يتألف العالم من شقين ، أناس لديهم مايقولونه لكنهم لايستطيعون . وأناس ليس لديهم مايقولونه ولكنهم لايسكتون ” . وعلى مايبدو في واقعنا ومتابعات المجتمع أن الشق الثاني قد تضخّم وأصبح أقرب إلى المرض العضال المؤذي لمدارك وعقول الناس وأذواقهم وفي أحيان كثيرة مثاراً لسخريتهم ..

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s