منشور في جريدة الشبيبة العمانية http://bit.ly/2wYv63G
هذه العبارة هي من الأمثال العربية الشهيرة ، التي تثبت في حياتنا مبدأ كثيراً ما ننساه أو نتغافل عنه ، لكنّه سرعان مايعيدنا للأصل في الاعتقاد ، بالنسبة للحال والمآل . قصة هذا المثل هو أنه يُروى في تاريخنا الإسلامي ، في مرحلة الفتن العصيبة والأزمات والاختلافات ؛ قصة ثلاثة من الخوارج ، وهم : عبد الرحمان بن ملجم ، والبرك بن عبد الله ، وعمرو بن بكر التميمي ، أنهم اجتمعوا وقرروا وتعاهدوا على أن يقتل كل واحد منهم أحد قادة المسلمين آنذاك ، فكان أن على ابن ملجم أن يتوجه إلى الكوفة ليقتل عليا بن أبي طالب ، وأن يتوجه البرك جهة الشام ليقتل معاوية بن أبي سفيان الذي كان متحصنا في دمشق ، أما الثالث عمرو التميمي فكانت وجهته مصر لقتل عمرو بن العاص .
وقد اتخذ ثالثهم ، عمرو التميمي عندما وصل إلى مصر كل أسبابه واحتياطاته ، ورسم خطته واتخذ أداته وحدّد وقته ، وظنّ أنه قد ملِك كل التقدير والتدبير لإتمام جريمته الشنعاء والظفر بفعلته . وفي تلك الليلة الموعودة بالنسبة لخطته ؛ مرِض عمرو بن العاص، ولم يقو على الخروج للصلاة بالناس ، فأناب صاحب شرطته واسمه ( خارجة ) ليصلّي بالناس صلاة الصبح ، ولم يكن عمرو التميمي يميز الأمير عن صاحب الشرطة ، فقتل هذا الأخير يظنّه الأمير .
لم يستطع التميمي الإفلات بجريمته حيث أمسكوه وجاءوا به إلى عَمرو بن العاص رضي الله عنه ، فقال له : ألم أقتلك ؟ قال عمرو : لا بل قتلت خارجة ؟ فقال حينذاك التميمي : أردت عَمرا وأراد الله خارجة .
ثم مالبثت أن مضت هذه المقولة مثلاً دارجاً حتى يومنا هذا لمن أراد شيئاً ، وبذل له الأسباب ، وخطط له واتخذ لنجاحه ماشاء من التدابير والاحتياطات ، لكن بالرغم من كل هذا الاستعداد جاءت الوقائع والأحداث بنتائج على خلاف ما كان يريده ويتوقعه ويستهدفه.
بعضنا ؛ يجعل لكل شيء في حياته أسباب ، ويُقدم على سائر أموره وأفعاله وأقواله ، ويغلفها بأعلى درجات الخوف والحرص والحسابات والاحتياط ، ويديرها بالأهداف والخطط وإلى آخره من أمور الفعل والتنفيذ ، وبما يضمن له التوفيق والنجاح لكنه يغفل أن هنالك إرادة فوق إرادته ، مهما فعل وخطط لايُكتب لعمله إلاّ ماتشاء إرادة ربّ العالمين.
الآيات والدلائل على قدرة المولى عز وجل وتدبيره لهذا الكون أكثر من أن تُحصى ، ومع ذلك يصرّ البعض على البقاء في الحالة الأقرب لـ ( التألّه ) فيعمد في أقواله وأعماله وخططه إلى النجاح التام والنتائج القاطعة ، ولا يضع حتى هامش بسيط يتذكّر به أن هنالك من يصرّف هذه الحياة ويدبّر مقاديرها مهما علا شأنهم وتعاظمت قوتهم ، بل قد يتقمّص بعضهم ، سواء أفراد أو مسؤولين أو أنظمة أو دول شخصية ( فرعون ) فيخرجون على الناس بمقولة ” ما علمت لكم من إله غيري ” أو ” ما أريكم إلاّ ما أرى ” ولا يعلم أن فوقه عظيم السموات والأرض ، سبحانه وتعالى .
وفي هذه الأيام – على سبيل المثال – تعيش أمريكا ؛ حالة من الذهول بسبب كارثة لم تستطع كل قوّتها وجبروتها أن تحول دون وقوعها ، ولم تتمكن كل إمكانياتهم وقدراتهم عن منع حدوثها أو وقفها ، لم تنفعهم صواريخهم ولامدمّراتهم ولابوارجهم ولاقنابلهم . ذهبت كل غطرستهم وعجرفتهم التي قال عنها ذات يوم الرئيس الأمريكي الأسبق بوش: ” نحن نقبض على ناصية المستقبل بأيدينا ” وقالت مفتخرة بها – أيضاً – مادلين أولبرايت وزيرة خارجيتهم السابقة في إحدى المقابلات معها: ” في هذا الكون قوة عظمى واحدة ؛ الولايات المتحدة !! ” ؛ ذهب كل ذلك بواسطة إعصار ( إيرما ) ! الذي هو مجرّد هواء يتكوّن ويتأثر ويتحوّل بطريقة ما إلى قوّة ضاربة ينتج عنها كارثة لاتستطيع كل الأدوات والوسائل منع وقوعها أو تغيير مسارها رغم كل التطوّر الذي يعيشه العالم اليوم . وذلك في صورة إعجاز إلهي يديره المولى عزّ وجل في كونه الفسيح ربما يأتي في أحيان كثيرة لإثبات ألوهيته سبحانه وتعالى وبيان قدرته وإعلان سلطانه وملكوته الذي لاينازعه أو يتحداه فيه أحد .
سانحة :
لايملك زمام هذا الكون سواه سبحانه وتعالى حتى وإن غابت أو تلاشت هذه المعاني في خضم النظريات الماديّة التي تفسّر كل شيء وفق أطرها فقط .