المقالات

بأيدينا نهجر لغتنا العربية

في منتصف هذا الشهر تقريباً نظمت غرفة تجارة وصناعة البحرين (بيت التجار) ندوة عن الدفع الألكتروني لم تكن اللغة العربية حاضرة فيها ! رغم أن الغرفة مؤسسة كبرى لها عراقتها وتاريخها في بلد ينص دستورها على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية فضلاً عن تراث مملكتنا الغالية وامتداد تاريخها العروبي والإسلامي ! في هذه الندوة كان المتحدثون بحرينيين (من الناطقين باللغة العربية) وغالب الجمهور المستمعين أيضاً بحرينيين (من الناطقين باللغة العربية) لكن الندوة – للأسف – كانت باللغة الإنجليزية ! بل والأغرب من ذلك أن المنظمين وفروا ترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية  لمن أراد !!

وعلينا أن نتصوّر – مجرّد تصوّر – هل يمكن أن نتوقع أن تتجرأ أو أن يكون في مقدور أي مؤسسة ما في أمريكا أو أوروبا أو غيرها من الدول المتقدمة في الشرق أو الغرب أن تفعل ذات الفعل ؟ أي أن تنظم ندوة أو أي مناسبة أو فعالية يكون المحاضر والجمهور (المرسل والمتلقي ) من أبنائها ومواطنيها لكن لغة حديثهم وتواصلهم غير اللغة الأم فيها ؟! بل وأن تكون الترجمة إلى لغتهم الأم وليس العكس !

غير أن هذه الندوة هي مجرّد نموذج – ليس وحيداً – على محنة لغتنا العربية حيث تراجعت مكانتها وأصبحت عرضة للإهمال . وصار لدى الكثيرين أن التحدث بغيرها مفخرة وعلامة رقي وتقدّم بالرغم من أن لغات الشعوب يجب أن تكون محل صيانة واعتزاز وافتخار ، تعبّرعن هويتهم وثقافتهم ، وفيها بصمات ماضيهم وتراثهم لايصحّ أن يتنازلوا عنها أمام لغات أخرى في موطنهم وداخل مؤسساتهم . وأن التحضّر والتمدّن إنما هو في الاختراع والإبداع والإنتاج والإنجاز ( الحقيقي) وليس في الاغتراب والذوبان في لغات وثقافات وشخصيات بعيدة عن هوية الوطن.

بالرغم من كثرة الحديث عن الهوية الوطنية إلاّ أنه من المؤسف أن ينصرف جلّ اهتمام البعض على المسميات والأبنية والمواقع بينما الهوية منظومة قيمية تتأسس على ركنين أساسيين هما الدين واللغة ، وهما الأيقونة الرئيسية لهوية أي بلد . ولذلك كلنا يعرف مقدار تمسك الآخرين بلغتهم الوطنية . جميعنا – كبيرنا وصغيرنا – يلمس ويشاهد بكل وضوح في الدول الأجنبية ، خاصة الكبرى أو المتقدمة منها ، سواء في الغرب أو في الشرق ، مقدار تمسكهم بلغتهم الوطنية واحترامهم لها وحرصهم على الظهور بها في شتى مناسباتهم وممارساتهم لشؤون حياتهم ومهامهم ، لا يتكلمون إلاّ بها ، ولا يتعلّمون إلاّ بواسطتها ، ولايعلنون إلاّ بمفرداتها ، يتفاخرون بها ويُعلون من شأنها ولايرضون أن تنازعها في المقام والمكانة أية لغة أخرى . كتبهم ، مناهجهم ، تدريسهم ، استماراتهم ، إعلاناتهم و” يافطاتهم “… كل شيء عندهم لايمكن أن تنفكّ صلته بلغتهم الرسمية والوطنية . بل كثرة من هذه الدول قد وضعت تشريعات وقوانين تكفل احترام وحماية لغتهم الوطنية . مثل قانون “توبون”هو قانون فرنسي صدر في الرابع من شهر أغسطس 1994م، يتعلق باستخدام اللغة الفرنسية وحمايتها أمام أي منافسة أو اندثار وتراجع، سُمي القانون بهذا الاسم نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون، الذي تحرك لإصدار هذا القانون، باعتبار أن المهمة الرئيسية للثقافة تكمن في المحافظة على هوية وثوابت بلدهم، وأهمها اللغة الفرنسية.

سانحة :

ومن سوء الطالع أن يتزامن وقت تنظيم ندوة بيت التجار عن ( الدفع الإلكتروني) مع مناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي صادف الثامن عشر من شهر ديسمبر الحالي . وهي بالمناسبة مناسبة – ربما- لم يدْر بها أحد ، ولم يُحتفل بها مثلما يُحتفى بغيرها من أيام ومناسبات تستحوذ على معظم أيام العام وتُقام لها احتفالات ومهرجانات وفعاليات و( فزعات) متنوعة  ثم يسقط من بين كل تلك الأيام اليوم المخصص للاحتفال بلغتنا العربية في صورة تمثل تعبيراً رمزياً عما تعانيه اللغة العربية  والأخطار التي تحدق بهويتنا ، وهي أخطار أصبحنا لانستشعرها إلى درجة أننا يمكن أن نحتفل بكل شيء إلاّ لغتنا العربية .

رأي واحد على “بأيدينا نهجر لغتنا العربية

أضف تعليق