راصد

الراحلون والفائزون في صمت

غاب عن عالمنا في بداية الشهر الحالي اثنان من علمائنا الأفذاذ وذوي الأفضال ممن تخلّدهم أعمالهم وسيحفر التاريخ كبير إنجازاتهم التي بسبب السلّم المائل للاهتمامات تجاوز الناس ذكرها أو نسبتها إليهم فصار وفاة فنان أو غياب راقصة أو موت لاعب أو ما شابههم تُفرد لنعيهم صفحات وتُخصص لعرض مآثرهم برامج في الإذاعة والتلفاز بينما تعجز موازيننا المقلوبة ومقاييسنا العاجزة في وسائل الإعلام المختلفة عن نعي عمالقة في مكانتهم وزمانهم لولا أن واقع التغريب والتضليل والتسطيح قد فرض وجوده وبسط انتشاره في حياتنا بحيث أن ينتقل إلى رحمة الله علاّمة من أعلام الدين ، وهو فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل ، القاضي المفتي ، العالم العامل ، الأستاذ المربي الذي أفني سني عمره البالغة (97) عاماً في خدمة الإسلام ، وتبوأ مراتب في التدريس والتأليف والقضاء والإفتاء ، وكان الرئيس السابق للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى بالمملكة العربية السعودية ، وتخرّج على يديه مئات أو آلاف من الأئمة والخطباء وطلبة العلم .

والقطب الثاني الذي رحل أيضاً بصمت في بداية الشهر الحالي ؛ هو الشيخ أحمد بزيغ الياسين ، رمز من كبار رموز العمل المالي الإسلامي ، فقيه المصارف الإسلامية وصاحب الإسهامات الكبيرة في توفيق الأدوات المالية المصرفية مع أحكام الشريعة الاسلامية ممن ساهموا في تأصيل الاقتصاد الإسلامي ووضع مفاهيم له معروفة ومتداولة ومعمول بها بعد أن ظلّت لسنوات طويلة حبيسة الأدراج والكتب. الشيخ أحمد بزيغ الياسين هو مؤسس بيت التمويل الكويتي ( بيتك ) وأول رئيس مجلس إدارة له ، من 1977 حتى 1993 ، وهو المصرف الذي بدأ بفرع واحد حتى غدا لآن من كبريات البنوك العالمية ، الفريدة في نوعه وخدماته ، وتتوزع فروعه البالغة (250) فرعاً على مختلف دول العالم .

أما الفائزون – أيضاً – في صمت فهما محمد هشام إبراهيم ، البحريني الذي حقق المركز الأول في حفظ القرآن الكريم كاملاً مع التجويد والترتيل فـي المسابقة العالمية للقرآن الكريم بجمهورية مصر العربية . والبحريني محمد نبيل محمد الذي حقق كذلك المركز الأول في حفظ عشرة أجزاء متتابعة من القرآن الكريم في المسابقة الهاشمية الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره بالمملكة الأردنية الهاشمية .

الراحلان عن دنيانا والفائزان فيها ؛ كان توقيت الرحلة والفوز في هذا الشهر ، بدايات سبتمبر ، لكن لم تنعي وسائل الإعلام الراحلين ، ولم تطريهما بما يستحقانه مثلما لم تعتمد حفظة القرآن الكريم على قوائم المتميزين والمبدعين عندها في صورة صارخة لمقدار الهدر والانهزام تجاه ثقافتنا وهويتنا في زمن نحتاج فيه أن نعيد بناء حساباتنا ، وأن ندرك أن الصراع الحضاري إنما هو صراع ثقافات وهويات ، وأن الدول تتخندق لأجل الدفاع عن مقدساتها وثوابتها وتقاتل من أجل الدفاع عن انتمائها .

سانحة :

 عزاؤنا أنه يمضي الرجال وتبقى آثارهم .

أضف تعليق