يتداول كثرة من الناس في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي هذه الأيام في صحفهم ووسائل الإعلام وأدوات التواصل الإلكتروني أخبار الدكتور محمد مرسي الرئيس المصري المنتخب الجديد ، ويركزون على جوانب من تحرّكاته يبدو أنها تثير إعجابهم أو استغرابهم بحيث أن جزءاً ليس قليلاً منهم يتداولونها ويعيدونها ويكررونها وتستحوذ على تغريداتهم ورسائلهم أكثر من المضمون الرئيس أو الهام للحدث نفسه .
الجوانب التي أقصدها هنا ما تتعلق بأن الرئيس مرسي – مثلاً – رفض تعليق صوره ، ورفض تعطيل الشوارع لأجل مرور موكبه ، وعدم لبسه القميص الواقي من الرصاص ، وقوله أنه خادم وأجير لدى الشعب ، وقوله ليس لي حقوق وإنما علي واجبات تجاهكم ، وصلاته جماعة في مكتبه بالقصر الجمهوري ، وصلاته الفجر في المسجد ، ووقوف سيارته مع الناس عند الإشارات الضوئية ، وتخفيفه من الحراسة الشخصية له ، وتخفيفه من عموم الشكليات والبروتوكولات والمراسم المعمول بها لمنصب الرئيس وما شابه ذلك من جوانب يتحدث عنها عموم الناس وكأنها شيئاً غريباً وعملاً نادراً بينما يُفترض أنها هي الأصل في سلوك الحكام وتواضعهم وتواصلهم ومسؤولياتهم وواجباتهم لولا أنه ترسّخ في مفهوم الشعوب العربية والإسلامية ووعيهم الجمعي أن زعماءهم وقادتهم أناس آخرين ، ربما ليسوا من ذات جنسهم ، وأنه لابد لهم من طقوس ومراسم تميزهم عن باقي مواطنيهم ، وأنه لايصحّ لهم أن يلبسوا أو يمشوا أو يصلّوا أو يأكلوا أو أن يمارسوا عموم تصرفاتهم وحياتهم كما بقية الناس ! وأن أي اختلاف عن هذا المفهوم والبروتوكول يُعدّ استثناء وأمراً يُنظر إليه كحالة فريدة من نوعها مثيرة للإعجاب والاستغراب ، يصعب تقبلها وجعلها أمرا عادياً .
هذا الاستثناء من الأصل لم يقتصر في واقعنا المعاصر على الحكام والزعماء بل امتدّ ليشمل مادونهم من شخصيات ومناصب رتبت لنفسها أشكالاً وطقوساً وألقاباً ميّزتهم وعزلتهم عن معايش الناس ، وأصبح الحرص والركض وراءها مثل الولع أو المرض النفسي المثير للشفقة أحياناً أو الضحك في أحيان أكثر ! وصار من الطبيعي أن يرى هؤلاء المتميزون ( الاستثناء ) أنهم فوق القانون وبقية الأنظمة التي يمكن تطبيقها على جميع خلق الله ماعداهم ، بل بعضهم صارت كلمة ( بن ) لتوضع بعد اسمه بالنسبة لهم دونها خرط القتاد !!
للأسف الشديد أن يجري أو نعدّ أو نسمّي صفات وسلوكيات وممارسات طبيعية ومفترضة في عموم الناس بمن فيهم حكامهم ومسؤوليهم وكأنها قد صارت استثناء ، أو مدعاة للمديح والإطراء . وكأنما عكسها هو الدارج والمنتشـر في حياتنا ! وليست كنظام عام ، أو شأن أخلاقي طبيعي نفترض توافره في الحكام والزعماء وبقية الشخصيات والمناصب العامة من الأصل دونما حاجة لذكره وامتداحه كأمر استثنائي
سانحة :
جاء في الهدي النبوي أن سيد البشر ، خير من وطأت قدماه الأرض ، محمد صلى الله عليه وسلّم قال : ” من أحبّ أن يتمثّل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار” حديث صحيح.