أدرك تماماً أني لا أملك فطنة رجال القضاء ولاحنكة أهل المحاماة ولاحكمة القانونيين ، ولايمكنني أن أشكّك في نزاهة سادة ساحات المحاكم وأبطال منصاتها الذين نكنّ لهم كامل الاحترام والتقدير ؛ فهم الأقدر على تكييف أحكامهم وإصدارها وفق متطلبات تطبيق القوانين واللوائح ، وقبل ذلك بحسب ما استقرّت عليه قناعاتهم وضمائرهم . لكنني – كغيري من الناس – نتمنى أن نفهم أسباب بعض ما صار يُعرف عندنا خلال الفترة الأخيرة بالتخفيضات القضائية . وبالطبع لااعتراض على مبدأ التخفيف أو حتى البراءة طالما أن للتقاضي درجات توفر للمتهمين ضمانات تحميهم وتمنع ظلمهم أو التعسف في استخدام العقوبات ضدّهم ، فتلك حقوق مصانة دستورياً وقانونياً.

ونعني بالتخفيضات القضائية هي الأحكام التي تصدر عن محاكم الاستئناف في قضايا سبق أن حكمت فيها ابتداء محاكم أخرى بعقوبات شديدة أو مغلّظة فإذا بها تُخفف أثناء نظرها في محاكم الاستئناف بحيث أنه يكون من اللافت للنظر هو أن يكون الحكم في أولى درجات التقاضي السجن لمدد طويلة ليأتي نظرها في الاستئناف بتقصيرها بصورة تستدعي التساؤل عن أسباب الحكم الأولي ومبرراته وبالتالي أسباب تغييره في الاستئناف على نحو فارق كبير!

قد يكون الأمر مفهوماً أو منطقياً حينما تتغير العقوبة الصادرة في الحكم القضائي لتنحصر في فرق بسيط ، سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنوات ، وذلك في إطار تقدير كل قاضي لمدة العقوبة المنصوص عليها تجاه هذه التهم ، وهي مدة لها حدّ أقصى وحد أدنى غالباً لايكون الفرق مابين الحدّين كبيراَ ، لكونها مجرّد فترة سماح تتيح للقاضي مساحة أكبر لتقدير العقوبة دون إخلال بفلسفتها وردعيتها تجاه الجريمة أو التهمة محلّ الحكم . لكن الغريب أن يتجاوز الفرق هذه المسافة الزمنية فيتحوّل الحكم – مثلاً – من سجن (15) سنة ليصبح سنة واحدة فقط ! وبالطبع ليس وارداً المقارنة بين جرم عقوبته (15) سنة وجرم عقوبته فقط سنة واحدة ! ولا أعتقد – بحسب معلوماتي المتواضعة – أن هنالك عقوبة حبس يُترك تقديرها مابين سنة إلى خمسة عشرة سنة .

سانحة :

في بعض الأحيان نسمع نشرة الأخبار الجوية ، فيُقال لنا أن درجة الحرارة العظمى (40) والحرارة الصغرى (30) فيكون هذا التقدير بينهما طبيعياً ومقبولاً ، لكنه يخرج عن المألوف حينما نكتشف أن درجة الحرارة الصغرى نزلت إلى (10) درجات أو أقل . فيُصار حينها للقول أن المتنبيء الجوي قد أخطأ في حساباته أولم يكن دقيقاً في أداء عمله .