راصد

لعنة سوريا

تقول القصة الشهيرة التي حصلت عام 1964 في أحد أحياء نيويورك أن فتاة اسمها ” كيتي جينوفيس ” أثناء عودتها  من العمل إلى منزلها ، وبينما كانت تسير في حديقة تطل عليها عدة عمارات ومنازل ؛ هجم عليها مجرم سفاح ، وبدأ يطعنها ولكنها قاومت ببسالة وأخذت تصرخ وتستغيث مما جعله يختفي ، لكنه لم يذهب بعيداَ ، بل كان ينتظر هل سيأتي أحد لمساعدتها ؟ فلما لم يحدث شيئا عاود هجومه الشرس وطعنها عدة طعنات واغتصبها ، وقد استغرقت العملية نصف ساعة تماماَ منذ بداية الهجوم ، ولم يتدخل أو يقدم أحد أي نوع من المساعدة . ثم اتضح باليوم التالي في التحقيقات مع الجيران وأصحاب العمارات والمنازل ،  أن ( 38 شخصاَ ) لامست أسماعهم استغاثاتها وصرخاتها لكنهم فضلوا اتخاذ موقف المتفرجين بدلاً عن شجاعة الناصرين ، أقروا جميعهم بالمشاهدة وسماع استغاثة المرأة لكنهم لم يفعلوا شيئا حتى انتهت الجريمة بموتها  !!

مايحدث اليوم في بلاد الشام لاتختلف قصته عن الجريمة التي راحت ضحيتها الفتاة  ” كيتي جينوفيس ” فسوريا تُذبح على مرأى ومسمع من ملايين البشر ، يشاهدون الجريمة بكل تفاصيلها ويتابعون الدماء التي تسيل فيها والأشلاء التي تتطاير منها ويسمعون الآهات والاستغاثات التي يتفطّر من أنّاتها الحجر لكن الإحساس قد تبلّد والضمائر ماتت في البشر ، وفضل الجميع بمن فيهم العرب والمسلمون الذين قال رسولهم صلى الله عليه وسلّم : ” المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمَّتِهِم أدناهُم ويَرُدُّ علَيهِم أَقْصاهُم وهم يدٌ على من سِواهُم ” حتى هؤلاء فضلوا أن يكونوا مثل أولئك المتفرّجين الذين شاهدوا ” كيتي جينوفيس ” تُطعن وتُغتصب ثم تُذبح دون أن يحرّك ذلك ساكناً لديهم ، فينتفضوا لنصرتهم وإزالة مالحق بهم من ظلم وعدوان .

الإحصائيات الرسمية التي استطاعت أن تحسب عدد الشهداء في سوريا حتى الآن تقدّرهم بـ (60) ألف شهيد ، أما الجرحي ، أما الأيتام ، أما اللاجئين ، أما المشرّدين ، أما المفقودين ، أما الأرامل والثكالى ، أما المغتصبات ؛ فهم فوق الحصر ، مثلما هم فوق التصوّر ، لاتستطيع الإحصائيات أن تعدّهم . أرقامهم مهولة لايضاهيها في قسوتها إلاّ مشاهد وصور الفتك والقتل ، صور الأطفال والنساء ، صور الدمار والإبادة . ولا يوازيها في شدّتها إلاّ صور تلك الخيام وقد كستها الثلوج وعصف بها البرد القارس ثم ترى بداخلها أطفال سُرقت أحلامهم وأمهات فقدت فلذات أكبادهم سالت دموعهم من مآقيها ، تجمّدت من الثلج أطرافهم ، اختلطت عبراتهم واختنقت أصواتهم ، تتحرّك أعينهم يميناً وشمالاً لعلّها تجد من يقول لها أنا هاهنا ، أنا المعتصم بالله الذي تحدّث عنه التاريخ الإسلامي العظيم بأنه في يوم من الأيام نُقل إليه – ليس عبر الفضائيــــات والإذاعـــات أو الانترنت كما هو حال النقل اليوم – استغاثة امرأة مســلمة تبعد عنه مئات الأميال ، صاحت “وامعتصماه ” طالبــة النجــــدة حينما حاول أحد علوج ذاك الزمان الاعتـــــداء عليها ، فسمع بذلك خليفة المسلمين المعتصم بالله الذي لم يســـتدع وزير إعلامه أو وزير خارجيته أو ما شابههم لتدبيج بيان استنكار أو يتعطّف ببعض التبرعات والمساعدات المالية ، ولم يملأ الدنيا ضجيجاً وتنديداً وصراخاً وخطباً رنانـــة ، ولم يدع لقمة أو اجتماع وزاري أو ما شابه ذلك مما يقوم به المنهزمون والعاجزون في زماننا الأنكد وإنما  جهز جيشـــــاً جراراً لإغاثـــــة هذه المرأة ! ويروي لنا تاريخنا الإسلامي المجيد عند ابن خلدون ؛ أن الخليفة المعتصم لمّا بلغه هذا الخبر كان على سريره وأنه كان بيده كأس ليشربه فقال : لبيكِ .. لبيكِ  وردّ الكأس وقال : لاشربته إلا بعد فكّ هذه الشريفة من الأسر وقتل العلج ، وصاح المعتصم في قصره آنذاك : النفير النفير . وكتب المعتصم لملك الروم قبل الغزو: ” من أمير المؤمنين المعتصم بالله إلى كلب الروم أما بعد، إذا جاءتك رسالتي فانتظر جيشاً أوله عندك وآخره عندي ” .

إننا نجهل أو نستهين بسنن المولى عز وجل ونواميسه الثابتة في هذا الكون ، ونغفل أننا جميعاً معرّضون لغضب المولى عز وجل لانحيازنا أن نكون مع المتفرّجين واختيارنا موقف المتخاذلين ، حكاماً ومحكومين . ولسوف تحلّ علينا وعلى بلداننا لعنة تخلينا عنهم وظلمنا لهم وعدم قيامنا بفريضة نصرتهم وتقاعسنا عن نجدتهم حتى بلغ القتل في الشام بلاحساب والطاغية يعبث بأرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم دونما خوف من رادع أو حسيب أو من يتصدّى له من أوساط العرب والمسلمين الذين لاتنقصهم الأموال ولا السلاح ، فهم أباطرة الأسلحة ، لم يتفوّق عليهم أحد في العالم في شراء وتخزين سائر الأسلحة والمعدات الحربية مثلما تركزت ثروات العالم فيه وصار أغنى أغنياء الدنيا من العرب والمسلمين . فلننتظر عقاب رب السموات والأرض الذي توعد الظالمين فقال في محكم التنزيل:  “وتلكَ القُرَى أهلَكْناهُم لمَّا ظلَموا وجعلْنَا لِمَهلِكِهِمْ مَوعِدًا “

سانحة :

أبكي على شام الهوى بعيون مظلومٍ مناضــل

وأذوب في ساحاتها بين المساجد والمنــازل

ربّاه سلّم أهلها وأحمي المخارج والمداخــــل

واحفظ بلاد المسلمين عن اليمائن والشمائـل

مستضعفين فمن لهم ياربي غيرك في النوازل

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s