كان الناس في ظهيرة يوم الثلاثاء الماضي على موعد مع خبر مفاجيء لم يعتادوا على سماعه ، ولم يكن في وارد توقعاتهم ، وكانوا يظنون أنهم في مأمن من حصوله عندهم خاصة وأنهم قد ألفوا متابعته فقط في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة ، كانوا يشاهدون البنايات والأبراج وقد تساقطت من شاهقها والضحايا بالمئات والآلاف من البشر قد طويت حياتهم ومعهم مدنهم وقراهم في لحظات دون أن يخطر على البال أن هذا الأمر قد يتكرر ويحدث مثله في بلداننا التي كان يُقال عنها أنها بعيدة عن خط الزلازل أو الكوارث الطبيعية .
فجأة تناقل الناس خبر إخلاء بعض الأبراج والبنايات في منطقة المنامة بسبب ما أسموه الشعور بوقوع هزة أرضية ، انتشرت صور هذا الإخلاء كما البرق في مختلف أدوات التواصل الإلكتروني والاجتماعي ، توقفت – أو كادت – جميع الأخبار والمراسلات الأخرى وسيطر هذا الخبر وصوره على كل شيء ، تمالك الناس أنفاسهم لبعض الوقت خاصة بعدما سمعوا أن زلزالاً بلغت قوّته (6,3) على مقياس ريختر قد وقع بالجوار ، في منطقة بوشهر الإيرانية وأن آثاره قد طالت البحرين والإمارات وقطر .
ولله الحمد والفضل والمنّة فقد سلِمت بلادنا من هذا الزلزال وارتداداته وحفظنا سبحانه وتعالى من كل ذلك . لكن يبقى السؤال الذي جرى طرحه سابقاً عندما تعرّضت بعض دول الخليج العربي ، بالذات سلطنة عمان الشقيقة في عام 2007م للإعصار المداري ” غونو” إذ ضربت سواحل السلطنة الشقيقة رياح عاتية تصل سرعتها إلى (260) كلم في الساعة مصحوبة بأمطار غزيرة وارتفاع الموج لعلو (12) متراً، وخلّف أضراراً وضحاياً ؛ ماهي استعداداتنا وإجراءاتنا واحتياطاتنا لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية التي لايصح أن تبقى خارج وارد الفكر والوعي الجمعي لأهل الخليج في ظل المتغيرات المناخية والطبيعية من حولنا .
هذا السؤال والاستفسار يزداد القلق بشأنه في ظل ما نراه من المباني الشاهقة والأبراج التي تناطح السماء ، وبعضها قريب من البحر أو جرى بنائه على بحر تم دفنه ، دون أن ندري مقدار تحمّل تلك المباني وصمود مواصفاتها وأساساتها مقابل أي اهتزاز أو ارتداد أو مدّ بحري أو إعصار أو ( تسونامي ) أو هبّة رياح قوية لم تعد بعيدة عن التوقعات كما في السابق. على أن هذا الخوف والقلق يتضاعف ويبلغ مداه على إثر خبرتنا وما نراه عندما تهطل علينا بضعة أمطار – على ندرتها وشحتها – لكنها تكاد تغرق الشوارع وتعطّل المرور وقد تقطع الكهرباء وتوقف الإشارات الضوئية وتضاعف حوادث المرور وتتضرر بيوت وتحدث إرباكاً يستمرّ أياماً وربما أسابيع !!
في يوم الجمعة الماضية تناقل الناس أيضاً خبر صادر مما يسمى وكالة الجيولوجيا الأمريكية تحذر فيه مناطق الخليج العربي من حدوث زلزال عنيف ، جاء فيه أنها تحذر من هزات ارتدادية قوية خلال هذا الشهر الجاري ، وتحذر الوكالة من أن الهزات ستبلغ قوتها (3) درجات على مقياس ريختر ، وهي كفيلة بإحداث أضرار بالبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة ، وهناك تحذيرات من تعرض مدينة بوشهر الإيرانية لزلزال مدمر قد تبلغ قوته (9) درجات على مقياس ريختر ، وتحذيرات من حدوث مدّ بحري قوي على مناطق الخليج العربي والدول التي ستتعرض لهزات أرضية قوية هي البحرين وقطر والكويت والإمارات وعمان “. ربما يحتاج الخبر لأن تكسر الجهات الرسمية صمتها وتكذبه أو تؤكد صحته وصحّة مصدره ، ومن ثم تباشر في توجيه الناس وتحذيرهم و.. إلخ . وقبل ذلك والأهم هو أن تعيد الدولة حساباتها واحتياطاتها ، فمثل هذه التغييرات المناخية والطبيعية إنما هي ناقوس خطر يستوجب النظر إليه بجدية وحزم قبل أن يفوت الفوت .
سانحة :
يحلو للبعض أن يطمئن ويستسلم للمقولة العلمية بأننا بعيدون عن خط الزلازل والكوارث الطبيعية لكنهم لايقدّرون أن للمولى عز وجل ، رب هذا الكون ، له نواميس وسننا في خلقه لا ينبغي أن نستهين بها ، ولا يعلمون أن من بين ذلك أن السلامة والأمن نعمة من الله ربط سبحانه وتعالى وجودها بطاعته والامتثال لأوامره مثلما ربط زوالها بالمعاصي والذنوب التي يحزّ في أنفسنا أن نقول إزاءها أننا كمن يستجلب نقمة الله على بلدنا في الوقت الذي يجب أن نرفع فيه أكفّ الدعاء والضراعة للمولى عز وجل بأنه حفظنا . وقد قال تعالى عن الأمم الماضية : “فكُلاّ أخَذنا بِذنبه فمِنهم من أرسلنا عليهِ حاصبًا ومنهم من أخذتهُ الصَّيْحةُ ومنهم من خسفنا بِهِ الأَرضَ ومنهم من أغرقنا وما كان اللَه ليظلمهُم ولَكن كانوا أنفسَهُم يظلِمون”.