راصد

من مدعاة الاستغراب !!

من أغلى اللحظات التي نفتقدها أو نهملها في حياتنا هي لحظة الصدق مع النفس ،  إنها لحظة صفاء نحتاج إليها بين حين وآخر لتقويم مسيرتنا أو معالجة ماتبقى من أيام وسني أعمارنا التي امتلأت بأمور وأشياء ما عاد يُرى بسببها تلك اللحظات الجميلة من الصدق والصفاء مع النفس ، ولانعود إليها إلاّ – ربما – بعد فوات الأوان . وقد يقبل أحدنا على نفسه في سبيل مصالح أخرى من مال أو منصب أو جاه أن يعيش  كذاباً أو متناقضاً بين ظاهره وباطنه أو بين فعله وأقواله دون أن يثير ذلك عنده أدنى استهجان أو استغراب حتى صار ذلك السلوك قريباً من الأصل والمعتاد . وقد يمضي بعضنا في ذلك ردحاً من الزمان ويقضم الدهر من سني حياته وأيام عمره وهو على هذه الحال من الاغتراب مع نفسه من غير أن يبادر إلى منحها فرصة للمراجعة أو التأمل والتنبّه للعودة لتسوية الظاهر مع الباطن ومطابقة الأقوال مع الأفعال . وقد قال عيسى عليه السلام : ” ما قيمة الإنسان لو ربح العالم كله ، وخسر نفسه ” .

من أغرب الأشياء التي يمكن أن تصادف الأسوياء من الناس وتكون هذه المصادفة أقرب إلى الصدمة لهم هو أن يتفاجأوا بسقوط قدواتهم أو رموزهم أو قادة أو مسؤولي الرأي والفكر أو ما شابههم ، أمام أعينهم أو على مسمع منهم دون أن تدري هذه القدوات أو الرموز أنها سقطت من الأعين ولم تعد تحمل تلك الرمزية أو المكانة التي كانت تحظى بها . في بعض الأحيان يكون السقوط مدوياً ومجلجلاً ولكنهم ( الساقطين ) مع ذلك لا يحسّون ، ولا يشعرون به ، لالشيء سوى أنهم يفتقدون هذه اللحظات الجميلة من الصدق مع النفس ومراجعتها .

من ذلك مثلا  – أعني الأفعال الصادمة أو أفعال السقوط أو مدعاة الاستغراب – أن تسمع أو تقرأ كثيراً لأحدهم عن الحرية والتعددية والقبول بالرأي الآخر حتى تحسبه أحد أعمدة وأساتذة هذه القيم والمباديء لكنه سرعان ما يسقط أمام الامتحان الفعلي والمهني فيها . ومع ذلك يستمر بعد فشله في الامتحان في ذات كلامه وكتاباته ومحاضراته عن الحريات والتعدديات دون أن يأبه أن من يسمعه الآن بعد الامتحان يختلف عما قبله !! ربما يصفونه بالعاهرة التي تتكلم عن العفاف أو يجعلونه مجرّد أضحوكة للتسلية أو يسمّونه ( أراكوز ) بعدما كان رمزاً وأستاذاً في مجاله .

من ذلك مثلا  – أعني الأفعال الصادمة أو أفعال السقوط أو مدعاة الاستغراب – أن تقرأ وتسمع لأحدهم انتقادات واتهامات للإسلاميين تصل إلى حدّ السباب والشتم ، بل والتحريض عليهم ، ثم تتفاجأ بأنه يدفع أبنائه للالتحاق بجمعيات ومراكز ومحاضن هؤلاء الإسلاميين ، بل يوصلهم بسيارته ذهاباً وعودة !! الأغرب أنه حينما تسأله عن سرّ ذلك يقول لك : أريدهم أن يكونوا أفضل منّي !!

من ذلك مثلا  – أعني الأفعال الصادمة أو أفعال السقوط أو مدعاة الاستغراب – أن تتناقش مع أحدهم في كتاباته أو أقواله فتتفاجأ باعترافه أنه غير مقتنع بها أو أنه يعرف عدم صحتها أو يدرك مقدار الكذب أو التدليس فيها !! الأغرب أنه حينما تسأله عن سرّ ذلك يقول لك : على طريقة إخواننا المصريين ، هذا ( أكل عيش ) !

سانحة :

قلت سابقاً وأكرّر أنه ربما لاعتبارات ذاتية وأخلاقية تتعلق بطبع غالب في شخص كاتب هذا العمود ، يجنح إلى الهدوء وتغليب احترام الآخرين ، وربما لاعتبارات مهنية أيضاً اعتمدت في خط عمودي الصحفي – الذي أفتخر بمرور أكثر من عشر سنوات عليه – عدم التعرّض للأشخاص أو التشهير بهم وصرت حريصاً على تناول الموقف أو الظاهرة بعيداً عن أشخاصها ، أحياناً من خلال قصة أو حدث تاريخي أو مثل شعبي أو ما شابه ذلك ، حيث الهدف الأسمى تدارك القصور ومعالجة الخطأ ، ليس لي علاقة بأسماء أو النيل أو المساس بأحد .

على أنه بالرغم من كل ذلك ، وحرصي الشديد في مقالاتي على التعميم دون التخصيص ؛ فإني اكتشف بين حين وآخر أن البعض صار يتحسّس مما أكتبه وصرت محل مضايقاتهم وربما تهديداتهم المبطنة – وأحياناً غير المبطنة – كلّما وردت في مقالاتي كلمات وصفات بعينها ، خاصة بعاهات وأعمال ذميمة وقبيحة مثل السفاهة أو الحماقة أو الفشل أو الشذوذ أو الخمور أو الفجور أو ما شابهها من كلمات نكتبها في سياق أفكار وحوادث موضوعاتنا من دون أن ندري أو حتى نتوقع – إطلاقاً – أن هناك بعض من يظنها موجهة له أو أنها ماركة خاصة بهذا البعض أو يتحسّس منها ويثقّل بسببها من وزن البطحة اللي فوق راسه ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s