الطاعة في اللغة هي مفرد ( طاعات) ومصدرها ( طاع ) ومعناها : انقياد وخضوع . وتأتي على عكس كلمة ( معصية ) . ومنها جاءت تسمية ( بيت الطاعة ) وهو الذي تعددت فيه التعريفات والتفسيرات لكنها في النهاية تتفق على أنه بيت الزوج الذي يُطلب من الزوجة التي هجرت زوجها أن تعود إليه . وصار ( بيت الطاعة ) مع مضي الوقت وتطوّر المجتمعات إحدى المفردات التشريعية التي تنصّ عليها القوانين لحل المشكلات الأسرية عندما تترك الزوجة زوجها وتتمرّد أو ترفض طاعته.
يُقال أن مفردة ( بيت الطاعة ) لا أصل لها وأنها تسرّبت للناس من الدراما والأفلام السينمائية ، وبعضهم يقول أنها خرافة ضمن عدة خرافات يجري استخدامها للتخويف وإثارة الرعب ، والبعض يرى أنها مفردة تم استخدامها عن عمد لتشويه صورة أحكام الإسلام والإساءة إلى مفهوم الزواج وتكوين الأسرة خاصة بعد زيادة أوصاف لهذا البيت ( بيت الطاعة ) بحيث تعني المهانة وإذلال المرأة وانتقاص لإرادتها وإنسانيتها .
على أن بعض المفردات المجتمعية تكون صالحة أحياناً للاستخدام السياسي فيُصار عن طريقها المعنى أدق وأكثر وضوحاً ، ولعل ارتهان أنظمة الدول العربية والإسلامية وارتمائها في أحضان السياسة الأمريكية والتطلّع إلى رضاها والحرص على نيل دعمها والحصول على أي شيء ، صغير أم كبير منها يدل إلى وقوفها بجانبها رغم حالة الكره والنشوز التي لاتستطيع أن تخفيها تلك الدول تجاه أمريكا .. هذه الحالة بالضبط تصلح لأن نسمي دولنا العربية والإسلامية أنها موجودة في (بيت الطاعة) الأمريكي ! لاتستطيع أن تخرج عن أوامره ونواهيه مثلما لاتجرأ على التصرّف من دون رضاه وتبقى حياتها مرهونة بمشيئته ومقيّدة برؤاه وتصوّراته وخططه حتى لو تفنّن ( سي سيد ) في صور إهانتها واستفزازها وعدم الاكتراث بها ( اللعب بأعصابها ) أوسرق أموالها أو جمّدها أوتجرأ على اعتقال أبنائها ، بل وتمادى في سفك دماء فلذات أكبادها ، وصار ( يخيط ويبيط ) في أراضيها من دون حسيب ولا رقيب .
يحدث ذلك بالرغم من حالة الاستياء والغضب التي تثور بين حين وآخر ضد هذا الـ ( سي سيد ) فيخرج علينا بعض المدفوعين بالعاطفة والحماس وربما بالأجرة فيتحدثوا بكلام كبير ضد أمريكا ويثخنونها شتماً وسبّاً وتتفتّق أذهانهم عن تنظيرات وتحريضات وكذلك عرائض ضدّها – وهم معذورين – حتى يتصوّر من يتابع الأمر كأنما طلاقاً بائناً قد حدث ، وأن قطيعة في العلاقات وطرد للسفراء قد حلّ ، لكن سرعان ما يكتشف الناس أن الأمر لايعدو كونه مجرّد تنفيس عن غضب وزوبعة في فنجان وأن العلاقات الدافئة هي الأصل وأن بيت الطاعة الأمريكي لا يزال هو المكان الذي يجمعهم ، سواء بالغصب أو الطيب .
في الواقع لاتستطيع الأنظمة العربية والإسلامية الخروج من سلطة بيت الطاعة الأمريكي والاستقلال بإرادتها وقراراتها ، والبقاء معززة كريمة بعد خروجها إلاّ من خلال تقوية عزيمة الاعتماد على الذات وحفظ الأبناء واستقطابهم ومبادلتهم الحب والاحترام ، والإغداق عليهم بالعدل والعطف والإحسان ، والنزول الصادق إلى معايشهم ، والعمل المخلص من أجل حاضرهم ومستقبلهم ، فهم أقوى سند وحماية لتلك الأنظمة ، سيدافعون عنها بمهج قلوبهم وسيحملونهم فوق الرؤوس كالتيجان.
سانحة :
يقول تعالى : ” إن الله لايصلح عمل المفسدين ” البعض يستهين بقيمة مثل هذه الآيات الكريمة أو لايلقي لها شأناً في أعماله وممارساته ، ولايتوقعها في حاله ومآله أو صحته وأهله ، لكنها سنن كونية ووعود إلهية تكفل المولى عز وجل بتحقيقها ، شئنا أم أبينا .