راصد

صابر والتقرير والكنار

 

أما صابر فهو المواطن الذي عادة ما يجري رفع سقف أحلامه وأمنياته نحو تحسين سويّة معيشته ، وتنهال عليه الوعود بزيادة راتبه ويُجعل من ذلك – في بعض المواسم والمناسبات – كأنه أمر سيجري تنفيذه لا محالة ، وأنه حقيقة وليس طيفاً من الخيال أو حلم يراوده في المنام . وتبعاً لذلك فإن هذا الصابر – سواء كان موظفاً أو متقاعداً – تزداد لهفته وترقبه لهذه الزيادة ، ويقوم بضرب أخماس في أسداس للمبلغ أو الإضافة أو الضيف الجديد في راتبه الذي ينتظره بفارغ الصبر ، يفرح هو وأهله وأبناؤه بما يزيل عنهم شدّة العوز والحاجة ويخفف عنهم أشجانها ومرارتها ويعينهم على مجاراة الضنك والضيق المعيشي وتفاقم حدّة الأعباء المترتبة على غلاء المعيشة وارتفاع تكاليفها. لكنه سرعان ما يكتشف أن تلك الزيادة الموعودة والمنتظرة في راتبه ، والتي يكثر الحديث عنها ، والتي يتلهف عليها ، إنما كانت فقط كالسراب الذي كلّما اقترب منه لم يجده شيئاً . ووجد بدلاً عنها حواجز و( مصدّات ) تحمل عناوين كثيرة ، من بينها العجز والعجز الاكتواري والديْن العام وما شابه ذلك من عناوين بات من الصعوبة إقناع صابر بها .

وأما التقرير ؛ فهو الإصدار السنوي لما بات معروفاً عندنا على مدار عقد من الزمان كشف حساب للهدر في المال العام ، وذلك إذا تجنبنا الكلام عن مصطلحات فساد وضياع . حيث يمكن لصاحبنا ( صابر ) أن يتتبع ما يرد في هذا التقرير ويجمع بواسطة آلة حاسبة ( كولكليتر) أرقام المبالغ المهدرة والمنهوبة وغير المفعلة وغير المحصلة والمتضاعفة وما شابهها من أرقام سيكتشف بعدها أن الكلام عن عجوزات وديون مرتفعة إنما هي مجرّد كلمات ليس لها محلّ من الإعراب ، وليس من الصحيح التعويل عليها لوأد أمنيات ( صابر) وتطلعاته في تحسين أحواله المعيشية !!

وأما ” الكنار ” فهي قصة هزّت قبل بضعة أشهر الوجدان المجتمعي ، تناقلها الناس ، بشيء من الحزن وكذلك بكثير من الضحك حتى سيطرت آنذاك ” النكتة ” بشأنها على كثير من الأحاديث ووسائل التواصل الاجتماعي وباتوا يستدعونها في هذه الأيام على غير موعد ، لا لشيء سوى إضفاء مزيد من الكوميديا والترفيه على صاحبنا ” صابر” وهو يتصفح الكتاب المسمى بـ( التقرير السنوي لديوان الرقابة ) . حيث تقول القصة أن وافداً آسيوياً التقط  ثلاث ” كنارات” بعد سقوطها على الأرض بالقرب من إحدى المزارع التي استشاط صاحبها غضباً على سرقة هذه ” الكنارات ” الثلاث ، واستطاع القبض على هذا الآسيوي ( المسكين ) وتسليمه للجهات الأمنية وجرى التحقيق معه بشأن هذه السرقة ( ثلاث كنارات ) ، بل وجرى حبسه احتياطياً على ذمة التحقيق لمدّة أسبوع ثم جرى تمديد حبسه (15) يوماً أخرى قبل أن تقرر المحكمة تغريمه ديناراً واحداً كعقاب على جريمته التي هي سرقة ( ثلاث كنارات ) ، مجرّد ( ثلاث كنارات ). مسكين يا صابر ..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s