إن العقوبـات الإلهية، سنن كونية ماضية، كثيراً ما نغفل عنها ولا نعطيها بالاً، وهي مقادير يقـدّر آجالها وأوانها المولى عزّ وجل، فقد يعجّلها سبحانه وتعالى في الدنيا قبل الآخرة وقد يؤخرها لحكمة وتدبير إلهي، لكن أبداً لا تضيع لديه حقوق العباد ولا تسقط مظالمهم، مهما تقادمت. وفي ذلك قصص وروايات كثيرة، قديماً وحديثاً، بعضها كان أبطالها طغاة وجبابرة حسبوا أنهم امتلكوا زمام الأمر والنهي وأنهم بيدهم مقاليد الأمور، ظلموا وتجرؤوا على الأعراض والدماء المحرمة، انتهكوا وسرقوا وقتلوا، فلمّا حانت ساعة الحقيقة وجدوا أنفسهم أقزاماً أمامها وأن طغيانهم لا يساوي شيئاً أمام ملْك الله تعالى وتدبيره في كونه.
في الأسبوع الماضي تناقلت وسائل الإعلام خبر نفوق من يسمّونه (الجزّار) ويدعونه بـ (السفّاح) عن عمر ناهز الـ(85) عاماً قضى جلّها في خدمة عمليات الاحتلال والاستيطان والاغتصاب الصهيوني لأرض فلسطين المباركة. إنّه أرئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق للكيان الصهيوني المعروف ببطل مذبحة صبرا وشاتيلا وقاتل الشيخ المجاهد أحمد ياسين، مؤسس وقائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس). مئات الآلاف من الفلسطينيين ظلمهم وبغى عليهم، سطا على أراضيهم وأعراضهم، انتهك حقوقهم، استحلّ دماءهم، فتك بأرواحهم، دكّ بيوتهم، شرّد أبناءهم . لكن كانت نهايته آية من آيات الله يعرضها ربنا في ذاكرتنا على أساس «إن في ذلك لعبرة».
فقد دخل هذا المجرم الطاغية في حالة غيبوبة كاملة إثر سكتة دماغية مفاجئة في عام 2006م استمرّ فيها ثماني سنوات، مسجّى على السرير، يعذّبه المرض، يتذوق مرارة الموت في كل حين، بل يتمناه هو وأهله ولكنه بعيد المنال عنه. فقد انطبقت عليه عقوبة جبار السماوات والأرض في قوله تعالى: «يَتَجرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسيغُهُ ويأتيهِ المَوتُ من كلِّ مكانٍ وما هوَ بميِّتٍ ومن ورائهِ عذابٌ غليظٌ».
استمرّ على هذا الحال ثمانى سنوات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة غير مأسوف عليه، عذاب في الدنيا وفي الآخرة بئس المصير.
سانحة:
يُحكى أن «أرئيل شارون» كان يُطلع سكرتيرته الشخصية قبل وقوعه في حالة الغيبوبة على أحلامه وكوابيسه، وكان أشدّها إزعاجاً وقلقاً وخوفاً بالنسبة إليه اثنين: أحدهما: أنه يرى نفسه قد وقع بيد الفلسطينيين الذين اقتادوه عارياً ومقيداً بسلاسل نحاسية، على ظهر مركبة مشّرعة مكشوفة تجوب شوارع مدينة غزة، والكابوس الآخر كان يرى فيه نفسه ملقى في بئر عميق لا قرار ولا قاع له. استمرّت كوابيسه حتى غاب عن دنيا الناس لكنه لم يمت ليبقى آية لمن بعده ولمن سار على نهجه وخطاه.