تصلني بين حين وآخر رسائل وشكاوى تتعلق بطلبات الحصول على وظيفة ومغادرة العالم السيء للبطالة ، ويتمنون مساعدتهم من خلال عمودي الصحفي لإيصال طلبهم وشكواهم وربما ضجرهم من بقائهم بلا عمل ، في وقت تشتد حاجة الناس لإيجاد مصدر دخل لهم ، وبعضهم يكونون في حرج مع أهاليهم الذين أنفقوا عليهم لسنوات وسنوات وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس انتظاراً لأن يعتمد ابنهم على نفسه ويشق طريقه في الحياة ، بل يريدونه عوناً لهم وعضيداً في مواجهة مصاعب الحياة ، فإذا بالعجلة تتوقف ويصبح أملهم رقماً جديداً في إحصائيات العاطلين عن العمل .
لا أتكلّم هنا عن المتخرجين من الثانوية العامة الذين ضاقت أمامهم فرص العمل ، وربما تحددت في وظائف دنيا ، من فئة مراسلين وفنيين وفقط ، وهي مسألة تحتاج إلى إعادة نظر والبحث في مكامن الخلل في أن الطالب بعد دراسة وتحصيل علمي يقارب الـ (12) عاماً ؛ لايكون متاحاً أمامه إلاّ مثل هذه المجالات من العمل المتواضعة جداً وبضع فرص بعثات ومنح جامعية لاتتناسب مع أعداد الأفواج – وهي في خانة الألوف – التي تتخرج من الثانوية العامة كل عام .
ليس هؤلاء موضوعي رغم أن مخاطر ترك أو التهاون في استيعابهم في الجامعات أو الأعمال ؛ هي مخاطر كبيرة ، ولها انعكاسات سيئة ؛ إنما أتحدّث عن خريجي جامعات ، قضوا أجمل سنوات أعمارهم ، يتعلمون ويتحصلون بين ( السبّورات ) والمختبرات ، وعلى الكراسي والمناضد ، انتظاراً وترقباً لأيامهم الجميلة ، فإذا بهم أيضاً يكونون أرقاماً في قوائم العاطلين والباحثين عن عمل !
بين يدي اليوم قصة إحدى هؤلاء الخريجات ، قضت (6) سنوات من الدراسة الجامعية في جامعة البحرين ، بكل جهد ومثابرة ، وصبر واجتهاد ، وفي تخصص صعب ، وكانت تحسب أنه – هذا التخصص – كما الدولار في سوق العمل . حيث تخصصت في الهندسة المدنية ، والعارفين يدركون قيمة أن يتخرج شخص في الهندسة المدنية من جامعة البحرين .
مضت ثلاث سنوات بعد تخرجها ، وهي تبحث عمل كانت تحلم به قبل أن تتخرّج ، كانت ترسم في مخيلتها صوراً جميلة عن ماسوف تتقنه وتبدع فيه ، الأمنيات كثيرة ومتتابعة إبّان دراستها التي أحبتها وتفوّقت فيها دون أن تعرف أنها ستظل بعد التخرّج أسيرة الجدران ، وضيف لعدة سنوات في سجلات العاطلين .
تقول مهندستنا ( العاطلة حتى الآن ) أنها قدمت أوراقها في كل مكان ، أدّت امتحانات ودخلت مقابلات لكنها شعرت أن الرفض يأتي لسبب كونها ( أنثى ) ممن يرون أن هذا المجال للذكور ! لكنها لازالت يحدوها الأمل ، كلّ الأمل بمن يزيل هذه العنصرية والبطالة ( المفتعلة ) . وبدوري أتمنى على المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية أو وزارة العمل أن يتبنوا هذه المهندسة العاطلة وألاّ يتركوا مثل هذه التخصصات تطول بهم سنوات البطالة . كما أرجو من المجلس الأعلى للمرأة أن ينظر في هذه المسألة في إطار ما يتوجهون إليه من تمكين للمرأة ..