يُقال في سابق أيامنا الجميلة ، وضمن مواريث الأدب و( السَنع ) وبديهيات التعامل والعيش مع بعضنا البعض بالحب والإخاء : أن الاختلاف في الرأي لايُفسد للودّ قضية . فكان الناس يتحاورون ويتجادلون ويختلفون ، تتضاد التوجهات وتتضارب الآراء ، قد ترتفع الأصوات ، وقد تصدر بضع كلمات غاضبة من هنا أو هناك ، بل قد تُرتكب بعض أخطاء أو تعدّيات من هذا أو ذاك لكن سرعان ماتعود القلوب إلى الصفاء ، وتتّسع الصدور للعفو والتسامح ، وتنفتح مُقل العيون للودّ والاحترام من غير بغضاء أو حقد أو سخيمة . ثم لايكون لذاك الاختلاف أي أثر في علاقاتهم أو يحول دون استمرار لقاءاتهم أو يضع مسامير في نعش محبتهم .
وذلك قبل أن تجري في الأنهار مياه آسنة فتتبدّل تلك القيم الجميلة والمباديء النبيلة ، ويصبح الاختلاف – مهما صغُر أم كبُر – إيذاناً بصواعق حرب لاتهدأ ، وشرارة معركة طاحنة ، وعنوان فجور في الخصومة تتجاوز المعروف وتتعدّى المعقول في آداب الاختلاف ، لايهمّها القبح في العداء ولا المكر في الانتقام .
في الواقع لايهمني في الخلاف المؤسف الدائر هذه الأيام بين وزارة الإعلام وبين معدّة برنامج ” كلمة أخيرة “وهما طرفان فاضلان نكنّ لهما التقدير والاحترام ؛ سوى أن أبين حقيقة وفاة عبارة “أن الاختلاف في الرأي لايُفسد للود قضية ” حيث تحوّل هذا الاختلاف بالفعل إلى مايشبه ساحة حرب حقيقية – ربما – اعتاد الرأي العام بالذات خلال السنوات القليلة الماضية على متابعة مثلها ، حينما تنفجر لأسباب غير معروفة خلافات في قضية ما بين طرفين أو عدة أطراف ، يأتي من يحفر في رمادها ، ويبديها للعلن ، ويخرجها من إطارها المؤسسي والمهني وأيضاً القانوني ، ويشعل فتيلتها ، وينفخ في نيرانها ، ثم تمتلأ وقاحاتها وانحطاطاتها ساحات العالم الافتراضي ، منهم من يزيد الملح ، ومنهم من يُنقص السكّر ، ومنهم من يجنّد أبواق وحصّالات ومرتزقة يتكسّبون من هذا المستوى من الخلاف ويقتاتون من تداعياتها ، ولايتورّعون عن الافتراء والتلفيق والتدليس ، ولايمتنعون حتى عن المساس بالأعراض والأنساب في صورة مقيتة تعبّر عن حجم نوع من الدناءة والرخص والابتذال الذي – للأسف الشديد – لم يجد له من يردعه .
ويفقد هذا الخلاف وأمثاله المنطق والحكمة ، وتبتعد أو تغيب عنه (محاضر) الخير والتصالح ، وتحلّ الإثارة ويدخل فيه التشفّي وتبرز دوافع الانتقام ، ويأخذ كل أطراف ووكلاء هذا الخلاف دور الـ ( الكريندايزر) التي تدوس على الآخر وتتلذّذ بالإساءة له والتشهير به ، واستخدام المكر والكيد والكذب والتحريض والغدر ، ولاترى من نهاية لهذا الاختلاف سوى القضاء على الآخر ، ولانتيجة غير ( أنا وبس ) بعد أن كان نحن البحرينيين، أخلاقنا وطيبتنا التي عرفنا بهما القاصي والداني ؛ نفوسنا لاتضيق ببعضها في هذا المجتمع الصغير .
أعذروني أيضاً هنا ؛ أن أعبر لكم عن حقيقة مؤلمة أكثر ؛ إن حدّة هذه الاختلافات ( الحروب ) تزيد وتتعاظم إذا كان طرفاها من أهل السنّة والجماعة . لا أريد الشرح لأني أعرف أن المواجع كثيرة ، والنماذج والأمثلة محزنة ومحبطة ، وكذلك مقلقة .
سانحة :
أصبحنا ندير خلافاتنا على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية ؛ يركض الناس حول الكراسي، فإذا انقطعت الموسيقى جلسوا بهدوء، إلا اثنين، لا يجلسان حتى يدفع أحدهما الآخر ويكاد يطؤه كي يصل إلى الكرسي قبله، فالكرسي عنده مسألة بقاء أو انتهاء بقائه في اللعبة أو انتهائها بالنسبة له.
أكثر التعابير المؤثرة التي اطلعت عليها بشأن الخلاف الدائر بين الفاضلة أم بسّام والفضلاء في وزارة الإعلام هو قوْل أحدهم : فخار يكسّر بعضه !