في الغالب؛ فإنّ فضائح الولادات المشوّهة والمشبوهة سرعان ما تتكشف، ولا تصمد كثيراً عمليات تغطية عوراتها، ولا ينفع معها مختلف سيناريوهات التمثيل والخداع مثلما لا تجمّلها مساحيق التجميل والماكياج. ولعلّ من ذلك هو الظهور المفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المسمى بـ (داعش) ثم تمدّده السريع على بقاع واسعة في أقطار من الأمة العربية والإسلامية، واستيلائه على (ماكينة) الإعلام الغربي في حربها ضد الإرهاب وتسيّدها – هكذا – فجأة لساحة تشويه الإسلام ولصق الإرهاب به، ثم تكاتف دول شتى لإنشاء تحالف عسكري كبير لمحاربته، ثم عرض بضع عمليات إعدام نفذتها (داعش) على طريقة أفلام الرعب السينمائية في هوليوود، وغير ذلك من أحداث ومظاهر كان الهدف منها على ما يبدو تشتيت أنظار العالم وتفتيت انتباه المسلمين بالذات وصرفهم عن مؤامرات أخرى كان يجب إلهاءهم عنها ببعض الدمى والتمثيليات، ومنها (سالفة) تنظيم داعش.
فدخوله المريب في جبهات القتال في سوريا بعد حوالي ثلاث سنوات من الثورة ضد نظام بشار الأسد، لم يكن اسم (داعش) معروفاً خلالها، وليس له أي حضور أو سابق معرفة عند الناس فضلاً عن فصائل وكتائب المقاومة السورية. فيتسلم حينها مناطق شاسعة من الأراضي السورية بطريقة ليس فيها قتال، ثم تحوّله إلى ندّ ومحارب لفصائل وجيوش المقاومة والثورة في الوقت الذي كان يُتوقع أن يكون داعماً لها وأحد أذرعها، هكذا يُفترض لولا أنه بدا واضحاً أنه منتج مخابراتي تم صناعته بعناية فائقة لصدّها ووقف انتصاراتها.
اعترافات ضباط عراقيين بشأن السيطرة السريعة والمفاجئة لتنظيم داعش على ثاني أكبر المدن العراقية، وهي الموصل في صيف عام 2014م، وخلال مدة زمنية لم تتعدَّ نصف نهار يوم، وبيانهم في تلك الاعترافات أن أوامر صدرت للجيش العراقي بالانسحاب فوراً دون قتال، وترك ثكناته وآلياته للدواعش فيما يشبه اتفاقات مبطنة بين الطرفين.
المسرحية تلك غير قابلة للصمود كثيراً خاصة في المفارق المهمة والحساسة، كدخول القوات الروسية على الخط وقيامها بما يشبه احتلال قرار النظام السوري وحمايته ؛ فطائراتهم وصواريخهم تم توجيهها ضد الأهالي وضد فصائل المقاومة كلّها، فيما لم تحرّك ساكناً ضد الدواعش، وهو الفعل ذاته الذي تمارسه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي استدعت قضّها وقضيضها وحشدت قواتها و(ماكيناتها) الإعلامية والدبلوماسية تحت شعار محاربة (داعش) فيما الحقيقة أنها تحارب آخرين غير (داعش) الذي يتحرّك بكل أمان وسلاسة في المناطق التي احتلّها، أو بالأحرى سُلّمت له ليبقى شوكة في حلْق الثائرين، وحامياً لكراسي الطغاة عن السقوط وأيضاً (مسمار جحا) لتنفيذ مؤامرات ومخططات باسم الحرب عليه.
الدواعش الذين يتحرّكون في مناطقهم الكبيرة، في سوريا أو العراق، باتوا لا يخافون طائرات الاستطلاع والطائرات بلا طيّار التي تملأ الأفق لأنهم ليسوا مقصدها، ولذلك نشاهد تحركاتهم وتنقلاتهم بصورة استعراضية في آليات وناقلات وسيارات رباعية الدفع (لاندكروزر) تكشّف فيما بعد أن الذي اشتراها من (تويوتا) السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، ويقارب عددها (10) ألاف سيارة من هذا النوع ؛ تركها لهم المالكي في الموصل عندما أمر جنده وجيشه بالانسحاب منها وترْك كل شيء هناك !! داعش أداة لتشويه الإسلام، وأداة لتمزيق الصفوف، وأداة لحماية أنظمة من السقوط، وأداة تخويف وابتزاز غربي لاستنزاف الأموال.. هي صناعة أصبحت الآن تفضح صنّاعها.