المقالات

إعصار ماثيو ..”من أشدّ منا قوة “

منشور في جريدة الشبيبة العمانية http://rrr.re/zraj

في الهافينغتون بوست – عربي http://rrr.re/zrak

 

الإِعْصار في اللغة – بحسب مختار الصحاح – : ريحٌ تَهُبُّ بشدَّةٍ وتثيرُ الغُبارَ وترتفِعُ كالعمود إِلى السماءِ  . وورد ذكره في القرآن الكريم في عدةّ آيات كريمة ، منها قوله تعالى : ” فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ “. وأما الإِعْصَارُ ( في الجغرافيا ) فهو منطقةٌ من الضَّغط تجذب الرِّياح إِلى مركزها في اتجاه عكس عَقَارب السَّاعة في نصف الكرة الشمالي ، والعكس في نصف الكرة الجنوبي.

في الخلاصة (الإعصار) هو مجرّد رياح  عاتية يُعزي خبراء الأرصاد وعلماء الطقس أسباب تكوّنها إلى مجموعة عوامل بيئية واختلافات في درجات الحرارة وضغط  الهةاء ، وبإمكانهم رصده – الإعصار – أو التنبؤ بوقوعه قبل بضعة أيام قليلة ، ثم يستطيعون تتبّع حركته ورصد المناطق التي يمكن أن يمرّ بها وتحديد درجات أو تصنيفات لخطورته وحدّته . وعمليات التنبؤ والرصد والتتبّع تنبيء عن مقدار التقدّم التقني والفني الذي استطاع معرفة تفاصيل دقيقة عن مجرّد هواء يتكوّن ويتأثر ويتحوّل بطريقة ما إلى قوّة ضاربة ينتج عنها كارثة لاتستطيع كل الأدوات والوسائل منع وقوعها أو تغيير مسارها رغم كل التطوّر الذي يعيشه العالم اليوم .

وفي ظل وجود مثل هذه التفسيرات العلمية لمثل هذه الظواهر البيئية ؛ صار يغيب عن بال الكثير من البشر أن هذه الأعاصير ومثلها من الكوارث الطبيعية إنما هي آيات كونية تستحق التأمل والاعتبار والاستحضار ، خاصة للطغاة والجبابرة الذين ينسون في غمرة غرورهم وتكبرهم واعتدادهم بملكهم وقوتهم أن للكون إله تخضع كل المخلوقات لتدبيره وتقديره ، صغيرها وكبيرها ، أحياؤها وجمادها، مياهها ورياحها ، لايملك زمام هذا الكون سواه سبحانه وتعالى .

فهاهي قصة قوم عادٍ الذين رأوا في أجسادهم وتركيبتهم كأنما أصبحوا قوة لاتُقهر وأن بطشهم شديد ، ولا يقوى أحد على مبارزتهم حتى نزل فيهم قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة ، وذلك في سورة فصلت ، في قوله تعالى ” فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، وقالوا من أشدّ منا قوة ” في واحدة من أقوى صور الاستكبار والتعالي والتباهي . ليأتيهم الرد الرباني بقوله تعالى “ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون، فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون “.

على أن قوم عاد إنما هي قصة تاريخية باتت تتكرّر حتى يومنا هذا مع اختلاف الشخصيات والمسميات ، حالة الطغيان والتجبّر لاتكاد تختلف . ولعلّ النموذج الأمريكي اليوم هو أحدها أو الأقرب لحالة ( التألّه ) المقاربة لطغيان جبابرة التاريخ وفراعنته ، ولم يعد يفرق – الأمريكان – عنهم في ممارساتهم ومنطقهم الذي يقول ” ما علمت لكم من إله غيري ” ، فكوّنوا امبراطوريتهم التي يقولون عنها أنها لاتُقهر ، ورأوا أنهم هم العالم كلّه  ، جبروتهم ومظالمهم منتشر في كل الأنحاء .

لكن وسط كل ذلك العناد والتغطرس ، والظلم الذي يمارسونه ؛ أراد سبحانه وتعالى في مطلع هذا الشهر أن يريهم شيئاً من قوّته وجبروته ، ويرسل عليهم جنداً من جنوده ، إعصار ( ماثيو ) ، مجرّد رياح ، لايرونها ولايلمسونها ؛ لكنها هزّت الشاهق من بنيانهم ودمّرت جسورهم وغمرت أراضيهم بالمياه وأوقفت سير حياتهم وعطّلت مرافقهم وأغلقت مصانعهم ومستشفياتهم ومدارسهم ، وقطعت كهرباءهم وقتلت مايقارب الـ (900) شخص وهجّرتهم من منازلهم وشلّت سائر أنواع الحياة في بعض ولاياتهم حتى تم الإعلان عن أنها مناطق منكوبة عجزت فرق الدفاع المدني والإنقاذ حتى عن إحصاء القتلى والضحايا ووقفت كل إمكانياتهم وقدراتهم عن منع هذا ( الإعصار ) الذي هو رياح ، مجرّد رياح ليس فيها صواريخهم ولامدمّراتهم ولابوارجهم ولاقنابلهم التي مافتأت تفتك بالبشر هنا وهناك ، ولسان حالها يقول ” من أشدّ منّا قوة “.

إنها قدرة الله سبحانه وتعالى التي ننسى في غمرة حياتنا وانشغالاتنا وتوقعاتنا وتخطيطنا أن نجعل لها مكان في وارد حساباتنا وكذلك اعتبارنا.

سانحة :

 قال تعالى “يا أيها الناس ضُرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يَستنقِذوه منه ، ضَعُف الطالبُ والمطلوبُ ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s